{ وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين 114} .
هذا معطوف على الأوامر والمنهيات قبله ، وقلنا إنه سبحانه نهى عن الظلم والطغيان ، والامتناع عن الظلم والطغيان فعل الخير ، وإن الظاهر من هذه الآية ، وآية الروم ، وهي قوله تعالى:{ فسبحانه الله حين تمسون وحين تصبحون 17وله الحمد في السموات والأرض وعشيا وحين تظهرون 18} ( الروم ) ، فإن هاتين الآيتين تومئان إلى أوقات الصلوات الخمس ، فكانت بعد فرضيتها في المعراج .
وإقامة الصلاة في الأمر{ وأقم الصلاة} الإتيان مقومة مستوفية أركانها الظاهرة والباطنة من خلوص المشيئة لله تعالى:واستشعار معاني الأركان النفسية ، وألا يقصد بها المراءاة ، فمن صلى يرائي فقد أشرك ، وقال تعالى:{ فويل للمصلين 4 الذين هم عن صلاتهم ساهون 5 الذين هم يراءون6 ويمنعون الماعون 7}( الماعون ) .
وطرفا النهار ما هما ؟ ، اختلفت الروايات في ذلك ، وأقربها في اعتقادنا ، وهو المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الطرفين الفجر أوالصبح ، وما بعد الظهر ، وزلفا من الليل والزلف الساعات المتقاربة ، وفسرها النبي بأنها المغرب والعشاء ، وسميت زلفا من الليل ، لأن ساعاتهما متقاربة ، فما بين المغرب والعشاء متقارب إلى حد اختلاط زمنهما ، والاختلاف في حد ما بينهما ، وهما بإجماع العلماء صلاة العشي .
وإن تعيين الآيات تقارب أو يتعين اتحادها في هذه الآية ، وآية الروم ، ولا شك أن إقامة الصلوات الخمس مستوفيات أركانها الظاهرة والباطنة ، والاستمرار عليها يطهر النفس من أرجاسها ، ويمحو تلك المعاصي التي يغبر بها القلب ، ولقد قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم:"الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ، ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن ، إذا اجتنبت الكبائر"{[1322]} .
وذكر شرط اجتناب الكبائر ؛ لأنه لا يمكن أداء هذه العبادات على وجهها ، مجتمعا مع الكبائر قط ، إذ لا يجتمع في قلب مؤمن عبادة أديت على وجهها ، وارتكاب كبيرة ، ولقد أثر على النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن"{[1323]} .
ولذا قال تعالى بعد الأمر بإقامة الصلاة في وقتها:{ إن الحسنات يذهبن السيئات} لأن الحسنات نور يدخل القلب فيزيل غمته ، وهي طهارة ترحض ما في النفس من أدران الشر ، وأخباثه .
ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار "{[1324]} .
وإن الصلوات الخمس- إن أقيمت على وجهها- أشد العبادات محاربة للعاصي ، ولذا قال تعالى:{. . . .إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون45}( العنكبوت )وإن توزيعها في أوقاتها جلاء النفوس ، فإنه إذا أقبل الفجر ، وأصبح الصباح أدى صلاة الفجر ، فتجلوا صدأ النفس ويستقبل الحياة بقلب سليم ، فيعمل في الحياة طاهرا حتى إذا ابتدأت النفس تصدأ بالاحتكاك بالناس جاءت صلاة الظهر ، فأزالت ذلك الصدأ ، ثم من بعد ذلك العصر ، وزلف الليل المغرب والعشاء .
ولقد روى البخاري عن ابن مسعود أن رجلا أصاب من امرأة قبلة فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره ، فأنزل الله تعالى قوله تعالى:{ وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات}{[1325]} .
ولقد قال تعالى:{ ذلك ذكرى للذاكرين} الإشارة إلى القيام بالفرائض الخمس ، وقال المفسرون:إنه إشارة إلى القرآن ، وكانت الإشارة إلى البعيد لعلو منزلته ، ورفعة مكانته ، وبعد شأوه ، ولا مانع فيما نرى أنها للقيام إلى الصلوات الخمس ، لهذه المعاني أيضا ، والمشار إليه مذكورا .
والذكرى التذكر الدائم الباقي المستمر ، ولا شك أن أداء الصلوات الخمس في مواقيتها على الوجه الكامل يجعل نفس المؤمن في ذكر دائم لله ، ولذا ختم الله تعالى آية الصلاة إن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر بقوله تعالى:{. . . .ولذكر الله أكبر . . .45}( العنكبوت ) .
وإن العبادات أداؤها على الوجه الأكمل الذي أشرنا إليه يحتاج إلى صبر وضبط النفس ، ولذا قال تعالى:{ واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين 45}( البقر ة ) ، ولذا قرن الأمر بإقامة الصلاة ، بالأمر بالصبر ، فقال تعالى: