{وَلاَ تَرْكَنُواْ}: الركون إلى الشيء: هو السكون إليه بالمحبة له ،والإنصات إليه ،ونقيضه النفور عنه .
التعايش مع الظالم: العبرة بالنتائج لا النوايا
{وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ} أنفسهم في الانحراف بالعقيدة عن مسارها الصحيح ،والتحرك في خطوط الكفر والشرك والضلال ،أو الذين ظلموا الناس ،بسبب ما يملكونه من قوة وسيطرة وسلطان وذلك بالاستسلام لفكرهم وخططهم العملية ،والخضوع لعمليات الإذلال للمؤمنين والمستضعفين التي يمارسونها ،ومشاركتهم في التحرك السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي يقومون به ،لأن ذلك يؤدي إلى تعزيز قواعد الظلم في الأمة على مستوى التشريع والتنفيذ ،فإن قوة الظلم تكبر وتنمو بانضمام أفراد من الأمة للظالم الذي يستفيد من ذلك لدعم حكمه وظلمه ،ولذلك فلا بد من دراسة الخطوات الإيجابية التي يتحرك بها الناس مع الحكم الظالم ،تحت ضغط الظروف الذاتية أو الخارجية الطارئة ،وذلك بالتدقيق في تأثير تلك الخطوات على واقع الظلم ،ومدى تقويتها للحكم والحاكم ،سواءً كان الوصول إلى تلك النتائج مقصوداً من قبلهم أم لم يكن مقصوداً ،لأن العبرة في مثل هذه الأمور النتائج لا النوايا .
وعلى ضوء هذا ،فإن التعامل مع الظالم في المجالات العامة والخاصة استجابةً لمطالب التعايش ،أو العيش المشترك ،يخضع في شرعيته وعدم شرعيته للطبيعة العملية للنتائج الواقعية الإيجابية لمصلحته ،فقد يختلف باختلاف الظروف ،في تأثيرها الإيجابي أو السلبي على الواقع ،وقد يختلف باختلاف الشكل ،أو النية للتعامل أو العلاقة ،مما يفرض على الناس ملاحظته بدقّةٍ وحذرٍ ،لئلا يتحوّل ذلك إلى حالة ركونٍ للظالم واستسلام له ،من حيث يريد الناس أو لا يريدون ،فيتعرضون لعقاب الله من حيث لا يشعرون ،{فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} جزاءً لهذا العمل السيّء الذي يفسد حياة البلاد والعباد ،في الحاضر والمستقبل ،بإفساح المجال للظلم أن يقوى وينتشر ،وللظالم أن يبسط سلطته على المستضعفين ،{وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَآءَ} ،في ما يمكن الاستعانة به من القوى المحيطة بالإنسان من أهله وذوي قرباه ،أو من أصدقائه ،{ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ} لأنهم لا يملكون أيّة قوّةٍ أمام الله ،خالق القوّة للحياة كلها ،فكيف يمكن أن تقف تلك القوى أمامه ؟ …