يوسف يقص على أبيه رؤياه
...وجاء يوسف إلى أبيه ،وكان أثيراً عنده حبيباً إليه ،لجماله ووداعته وصفاء روحه ،وجلس عنده يقص عليه رؤياه الغريبة التي أثارت في نفسه القلق لما تشتمل عليه من جوّ يوحي بالسموّ ،ولكنه حافلٌ بالغموض ،فأراد من أبيه الذي أكرمه الله بالنبوّة أن يفسّر له أسرار هذه الرؤيا ،ليوضح له معالم المستقبل من خلالها ،وربما كان يعتقد ،أنها رؤيا صادقة فحاول أن يعرف طبيعتها ،وربّما كان حائراً بين هذا النوع من الرؤيا الصادقة ،أو الرؤيا الحالمة ،فأحب أن يجلوَ كنهها ،كأيّ إنسان في مثل عمره الذي كان يلتقي بأوائل الشباب .
الحدس النبوي
{إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأبِيهِ} يعقوب:{يا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا} من هذه الكواكب المتناثرة في السماء ،{وَالشَّمسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} كما يسجد الناس للشخص العظيم تحيةً واحتراماً وخضوعاً .فما معنى ذلك ؟وما مداه ؟وكيف يمكن أن تسجد هذه المخلوقات الكونية العظيمة لبشرٍ مثلي ؟!وما موقعي من ذلك كله ؟!
ويستشرف يعقوب بحدسه النبويّ مستقبل ولده يوسف من خلال هذا الحلم العجيب ،فيرى فيه شخصاً عظيماً يسمو على أهله بالمكانة والمنزلة ،إلى مستوى يشعرون معه بأن عليهم أن يتعاملوا معه كما يتعاملون مع الملوك العظام ،الذين كانت تقاليد ذلك العصر تفرض على الناس أن يقدموا لهم فروض الاحترام بطريقة السجود .
حسد الإخوة
على أن يعقوب كان يعرف أن أولاده الآخرين يحسدون يوسف على ما يتميز به عنهم من جمالٍ وذكاءٍ ووداعةٍ وصفاءٍ ،وعلى ما له من المنزلة عند أبيه ،كنتيجة لما يملكه من هذه الصفات وغيرها التي أهّلته للمعاملة المميّزة ،وكان يخشى على يوسف منهم ،لأن العقدة التي كانوا يشعرون بها تجاهه قد توحي إليهم بالتآمر عليه ،والتخلّص منه إذا تحدث إليهم عن رؤياه ،وفهموا منها مستقبله الكبير الذي قد يقفون فيه موقف الخاضع الحاسد له عندما يصبح غداً في موقع رفيع يفوقهم ،ولأن الحسد يدفع أصحابه إلى الكيد للمحسود وأذيته بشكل مباشر ،وليس عبر تسليط عين الحسد كما يعتقد الناس عموماً .فأحبّ يعقوب تحذير يوسف من أن يقصّ رؤياه عليهم في ما أوحاه له من مستقبل باهر ينتظره ،يجعله في موقع الكيد من إخوته .