/م4
{ إذ قال يوسف لأبيه يا أبت} هذا شروع في بيان أحسن القصص فهو بدل منه يشتمل عليه .والأكثرون يعدونه بدء كلام جديد يقدرون له متعلقا:اذكر أيها الرسول إذ قال يوسف لأبيه:يا أبت الخ والتاء هنا بدل من ياء المتكلم وهو مسموع من العرب في نداء الأب والأم والفصيح كسرها وسمع فتحها وضمها أيضا{ إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر} في المنام بدليل ما يأتي بعد ، ثم بين الصفة التي رأى عليها هذه الجماعة السماوية بقوله{ رأيتهم لي ساجدين} والسجود التطامن والانحناء الذي سببه الانقياد والخضوع أو المبالغة في التعظيم وأصله قولهم:سجد البعير- إذا خفض رأسه لراكبه عند ركوبه ، وكان من عادات الناس في تحية التعظيم في بلاد فلسطين ومصر وغيرهما ، واستعمل في القرآن بمعنى انقياد كل المخلوقات لإرادة الله تعالى وتسخيره وهذا سجود طبيعي غير إرادي ، ولا يكون السجود عبادة إلا بالقصد والنية من الساجد للتقرب إلى من يعتقد أن له عليه سلطانا ذاتيا غيبيا فوق سلطان الأسباب المعهودة .
وكان الأصل في التعبير عن سجود هذه الكواكب التي ليس لها إرادة أن يقول رأيت كذا وكذا ساجدة لي ، ولكنه أراد أن يخبر والده أنه رآها ساجدة سجودا كأنه عن إرادة واختيار كسجود العقلاء المكلفين فأعاد فعل رأيت وجعل مفعوله ضمير العقلاء وجمع صفة هذا السجود جمع المذكر السالم ، فعلم أبوه أن هذه رؤيا إلهام ، لا يمكن أن تعد من أضغاث الأحلام ، التي تثيرها في النوم الخواطر والأفكار ، ولا سيما خواطر غلام صغير كيوسف يخاف أبوه أن يأكله الذئب ، وفي سفر التكوين أنه كان قد بلغ السادسة عشرة وهو بعيد .