/م4
{ قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك} يا بني تصغير لكلمة ابن في نداء العطف والتحبب ، وقص الرؤيا على فلان كقص القصة معناه أخبره بها على وجه الدقة والإحاطة كما تقدم آنفا ، وقد يفهم منه المعبر البصير المعنى المناسب للرائي القاص أو المعنى الذي تؤول إليه في المستقبل إذا كانت رؤيا حق كما يقع للأنبياء عليهم السلام قبل وحي التكليم ومقدماته ، وقد فهم هذا يعقوب واعتقد أن يوسف سيكون نبيا عظيما ذا ظهور وسلطان يسود به أهله حتى أباه وأمه وإخوته ، وخاف أن يسمع إخوته ما سمعه ويفهموا ما فهمه فيحسدوه ويكيدوا لإهلاكه فنهاه أن يقص رؤياه عليهم وعلله بقوله:
{ فيكيدوا لك كيدا} أي إن تقصصها عليهم يحسدوك فيدبروا ويحتالوا للإيقاع بك تدبيرا شيطانيا يحكمونه بالتفكير والروية ، كما يفعل الأعداء في المكايد الحربية ، يقال كاده إذا وجه إليه الكيد مباشرة ، وكاد له إذا دبر الكيد لأجله سواء كان لمضرته وهو المراد هنا ، أو لمنفعته ومنه قوله تعالى في تدبير يوسف لإبقاء أخيه عنده{ كذلك كدنا ليوسف} [ يوسف:76] وسيأتي بيان هذه المقابلة .
{ إن الشيطان للإنسان عدو مبين} ظاهر العداوة بينها لا تفوته فرصة لها فيضيعها .هذا بيان مستأنف للسبب النفسي لهذا الكيد وهو أنه من وسوسة الشيطان في النزغ بين الناس عندما تعرض له داعية من هوى النفس وشرها الحسد الغريزي في الإنسان ، كما عبر عنه يوسف بعد وقوعه وسوء تأثيره وحسن عاقبته بقوله{ من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي} [ يوسف:100] وفي قصته من سفر التكوين أن يوسف قص رؤياه على أبيه وإخوته جميعا من أول وهلة .وما قصه الله هو الحق الذي روي بالتواتر القطعي وسفر التكوين غير مروي بالأسانيد المتصلة المتواترة ، ولا دليل على أنه وحي من الله تعالى ، ولكنه كتاب قديم التاريخ له قيمة لا تعصمه من الخطأ .