الحلم يتحول إلى حقيقة
...وبدأت النهاية السعيدة ،لرحلة الحزن الطويلة التي عاشها يعقوب ،لفراق ولده يوسف ؛ورغم طول الغياب ،كان يمتلك إحساساً يتحرك من مواقع الإيمان بالله ،والثقة برحمته ،وإلهاماً روحياً يتحسّس فيه الأمل الكبير بعودة يوسف إليه .أما الان ،فإن انطلاقة الضوء قد عادت إلى عينيه ،والتماعة البشرى قد أشرقت في روحه ،فها هو البشير يحدّثه عن يوسف العزيز الذي رفع الله مكانته فجعله حاكماً يدير شؤون الدولة الاقتصادية ،وها هو يدعوه إليه ،ليحدثه عن رحلة العذاب الطويلة ،وعما أنعم الله عليه ،من الإرادة القوية المنفتحة على الرسالة ،ومن الموقف الصلب أمام حالات الإغراء ،ومن حركة الدعوة في أجواء السجن وظلماته ،ومن سعة المعرفة في تأويل الأحلام ،وتحليل الأمور التي دفعت به إلى هذا الموقع الكبير ...
وهكذا سار يعقوب مع عياله وأولاده ،ليلتقي بالحلم الذي تحوّل إلى حقيقة ؛{فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ ءَاوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ} وضمّهما إليه ،ليمسح دموعهما ،ويخفف حزنهما ،{وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَآءَ اللَّهُ آمِنِينَ} أي أقيموا فيها وامكثوا طويلاً دون أن يعكر صفوكم أحد ،فلكم مطلق الحرية في أن تتحركوا كما تشاءون دون خوف ولا وجل… وقد جاء في مجمع البيان: «وإنما قال لهم: آمنين لأنهم كانوا في ما خلا يخافون ملوك مصر ،ولا يدخلونها إلا بجوازهم »