التّفسير
عاقبة أمر يوسف وأبيه وإخوته:
مع وصول القافلة التي تحمل أعظم بشارة من مصر إلى كنعان ،وعودة البصر إلى يعقوب ،ارتفعت أهازيج في كنعان .فالبيت الذي لم يخلع أهله عنهم ثياب الحزن والأسى لسنين عديدة ،أصبح غارقاً في السرور والحبور ،فلم يكتموا رضاهم عن هذه النعم الإلهيّة أبداً .
والآن ينبغي على أهل هذا البيتوفقاً لوصيّة يوسفأن يتحرّكوا ويتّجهوا نحو مصر ،وتهيّأت مقدّمات السفر من جميع النواحي ،وركب يعقوب راحلته وشفتاهُ رطبتان بذكر الله وتمجيده ،وقد منحه عشق يوسف قوّةً وعزماً إلى درجة وكأنّه عاد شاباً من جديد .
وهذا السفر على خلاف الأسفار السابقةالتي كانت مقرونة لدى إخوة يوسف بالقلق والحزنكان خالياً من أيّة شائبة من شوائب الهمّ والغمّ .وحتّى لو كان السفر بنفسه متعباً ،فهذا التعب لم يكن شيئاً ذا بال قِبالَ ما يهدفون إليه في مسيرهم هذا .
كانوا يطوون الليالي والأيّام ببطء ،لأنّ الشوق كان يحيل كلّ دقيقة إلى يوم أو سنة ،ولكن انتهى كلّ شيء ولاحت معالم مصر وأبنيتها من بعيد بمزارعها الخُضر وأشجارها الباسقة السامقة وعماراتها الجميلة .
إلاّ أنّ القرآن الكريمكعادته دائماًحذف هذه المقدّمات التي يمكن أن تدرك بأدنى تفكّر وتأمّل ،فقال في هذا الشأن: ( فلمّا دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه ) .
وكلمة «آوى »كما يقول الراغب في مفرداتهتعني في الأصل انضمام شيء إلى شيء آخر ،وضمّ يوسف أبويه إليه كناية عن احتضانهما ومعانقتهما .
وأخيراً تحقّقت أحلى سويعات الحياة ليعقوب ،وفي هذا اللقاء والوصال الذي تمّ بين يعقوب ويوسف بعد سنين من الفراق ،مرّت على يعقوب ويوسف لحظات لا يعلم الا الله عواطفها في تلك اللحظات الحلوة ،وأيّة دموع انسكبت من عينيهما من الفرح .
وعندها التفت يوسف إلى إخوته وأبويه و ( قال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين ) لأنّ مصر أصبحت تحت حكم يوسف في أمن وأمان واطمئنان .
ويُستشفّ من هذه الجملة أنّ يوسف كان قد خرج إلى خارج بوّابة المدينة لاستقبال والديه وإخوته ،ولعلّ التعبير ب( دَخلوا على يوسف ) يحتمل أن يكون يوسف قد أمر أن تنصب الخيام هناك «خارج المدينة » وأن تُهيأ مقدّمات الاستقبال لأبويه وإخوته .