{وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} وهو السرير الذي يمثل موقع المسؤولية التي كان يشغلها في البلاد ،{وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَا} وكان المتعارف لديهم تماماً كما يمثل الانحناء لوناً من ألوان التحية لدى بعض الشعوب ،ولا يمكن اعتبار ذلك منافياً لتوحيد الله في العبادة ،لأن السجود العبادي هو ما يعيش الإنسان فيه معنى العبودية بأن يقصد من خلاله التعبير عن الخضوع المطلق .
{وَقَالَ يا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْياي مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا} أي رؤياه التي كان قد قصها على أبيه في أوّل السورة في قوله:{يا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} ..
برأ إخوته بنسبة الإساءة إلى الشيطان
{وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَآءَ بِكُمْ مِّنَ الْبَدْو} إلى هذه الأرض الخصبة ،وجعلكم في الموقع الأعلى الذي يهيء لكم أفضل العيش ،وأكرم المواقع ،وفتح قلوبنا على الصفاء والمحبة والإخلاص ،بعد المحنة السوداء التي مرّت بنا في جوّ العداء الذي يتعارض مع روح الأخوّة الصافية ،{مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي} وهذه غاية اللياقة في تبرئة إخوته من الإساءة إليه ،وذلك بنسبة المسألة إلى الشيطان ،ليفسح لهم بذلك مجال الاعتذار ،{إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ} فمن لطفه هذا اللقاء الطيب ،وهذا الصفاء الروحي الفيّاض ،{إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} الذي يعلم ما يحتاجه عباده ،فيدبّر أمورهم على مقتضى الحكمة .