وهذا ما ننطلق منه ونسير عليه ،فإننا لم نبدأ الطريق إلا من خلال توكلنا عليه{وَمَا لَنَآ أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ} من موقع الثقة المطلقة به{وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا} ،وعرفنا طريق الحق والباطل ،وقوى إرادتنا في اتجاه الحق حتى اهتدينا عبر ما أمّنا به من عقيدةٍ ،وحملناه من رسالة ،وبلغناه من دعوة إلى سواء السبيل .وليست عندنا مشكلةٌ تجاه ما تمارسونه ضدنا من ألوان الإيذاء ،لأننا نعرف مسبقاً أن الرسالة ستواجه تحديات تجعلنا ندفع ضريبة استمرارنا بها ،{وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَآ آذَيْتُمُونَا} لأن صاحب الرسالة يدرك جيداً أن القوى المضادّة تعمل على إسقاط روحه المعنوية وهزيمته نفسياً بهدف إبعاده عن الساحة ،ولهذا فإن من مسؤوليته أن يثبت ويتحمل الحرمان والاضطهاد والإذلال ،للانتصار على تمرد المعاندين وجحودهم في نهاية المطاف .فالثقة بالله وبالنتائج الإيجابية التي يحملها المستقبل ،يدفعنا إلى مواصلة خط السير ،مهما واجهنا من مصاعب ومشاكل وآلام ،{وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} لأنه هو الذي يحميهم من كل أخطار المجهول ومشاكله ،فهو حسبهم ونعم الوكيل .
شعار الرسل هو الأنسب للدعوة
وهذا هو شعار الرسل الذي ينبغي للدعاة إلى الله والعاملين في سبيله ،أن يحملوه في كل مراحل مسيرتهم التي يواجهون فيها التحديات الصعبة من قِبَل قوى الكفر والضلال ،وأن يتمثلوه في أنفسهم ،وأن يعيشوه في وجدانهم ،إذا أحاطت بهم الأخطار والأهوال ،وواجهوا مخاوف المجهول ،لأن الله يملك الأمر كله ،ويحيط بعلمه وقدرته بكل جوانب المجهول وخفاياه وكل مخاطره وأهواله ،والإيمان العميق به يملأ النفس ثقةً وقوّة واطمئناناً بملئه فراغ الإنسان كله بلقاء الله الدائم ،بحيث لا يترك مجالاً للحيرة والقلق والضياع ،أمام الخط الثابت الواضح الذي يتصل بالإرادة الإنسانية في ما يملك الإنسان أمره في الحاضر ،والذي يلتقي بالإرادة الإلهية ،في ما لا يملكه الإنسان في المستقبل .وبذلك لا ينطلق التوكل من حالة هروب من الواقع ،كما لا يمثل حالة فراغٍ في التصور والممارسة في الحياة .