تجسد هذه الآيات قصة العقيدة التوحيدية الصافية التي تتطلع إلى الله ،ولا تتطلع إلى غيره ،في كل شيءٍ موجود في حركة الحياة ،أو تنتظر وجوده .إنها كلمات الله في خلقه ونعمه التي يشتمل عليها التكوين من حقائق وموجودات تتصل بالواقع الكوني ،وترتبط بنظامه ،وتتكامل في عملية تحقق الوجود وتطوّره ،بطريقةٍ تدريجيةٍ ،كالينبوع الذي يختزن في داخل الأرض البحيرات الكبيرة ،ولكنه يتفجّر بالعطاء تدريجياً .فالأشياء كلها مخزونةٌ في علم الله ،وحاضرةٌ في قدرته ،ومتحركةٌ من خلال حكمته ،وتلك هي الحقيقة الإلهيّة التي تقف الأبصار شاخصة إلى ما تراه منها وإلى ما لا تراه ،وتخشع النفوس خاضعةً ،لما تحتويه ولما لا تحتويه ،فهو مصدر الفيض ،وسرّ وجود كل شيء .
{وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ} في ما يتمثل في الإحاطة العلمية بالأشياء من خزائن ،وفي ما يتمثل في ساحة القدرة من مواقع وآفاق ،هل هو المطر الذي يختزنه الله في الأعماق وفي الآفاق ،أو هو الأشياء كلها ؟الظاهر من الآية ،أن المسألة تتحرك في خط الشمول ،لأنها واردةٌ في مجال تحديد القاعدة الكلية لإحاطة الله بالأشياء وقدرته عليها ،ولا خصوصية لخزائن الماء في ذلك .{وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ} توحي كلمة الإنزال بالعلوّ في المكانة والقدرة ،وليس من الضروري أن تكون دالّة على الجانب المكاني منها لتختص بما ينزل من السماء من مطر ،وهكذا أجرى الله الحياة على نظام دقيق ،تتجدّد فيه الأشياء وتتدرّج في تكاملها في خط الامتداد ،كما تتكامل في خط العمق والعرض والارتفاع ،تبعاً للحكمة في تقدير حاجة الحياة إلى ذلك .