الإيمان والشرك اختياريان لا قسريان
{وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلا آبَاؤُنَا} وذلك هو المنطق المهزوم الذي يحاول التهرُّب من المسؤولية بإرجاع الشرك إلى مشيئة الله ،على أساس إحاطة الله بعباده في كل ما يعتقدونه وما يمارسونه من أعمال ،فليس لهم أن يقوموا بأيّ فعلٍ ،أو يتخذوا أيّ موقف ،من دون أن يشاء الله لهم ذلك ،ما يجعل من الشرك مشيئةً إلهيّةً ،لا مشيئةً ذاتيةً ،بالتالي فإن انحرافهم العملي في ساحة المعصية حيث يحللون ما حرّم الله أو يحرّمون ما أحلّ الله ،يعود إلى الله لا إليهم{وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ} وهذا هو منطق المشركين الذين عاصروا النبي محمد( ص ){كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ} من الكافرين والمشركين من الأمم السابقة{فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ} لأن الله لم يجعل للرسول مهمّة التدخل في تحويل قناعات الناس إلى الإيمان بطريقةٍ غيبيّةٍ ،كما يوحي ربطهم بين الإيمان وبين المشيئة الإلهية لذلك بطريقةٍ ضاغطةٍ لا مجال فيها للاختيار ،بل إن الله قد جعل مهمة الرسول البلاغ ،في كل ما يريد الله أن يبلّغه للناس من وحيه وتعاليمه ،ليختاروا ما يريدون من ذلك من موقع حرية الإرادة ،لأن المشيئة لا تعني إلغاء الإرادة ،بل تعني تأكيدها عندما يشاء الله لهم الكفر أو الإيمان باختيارهم ،بما وفره لهم من وسائل الاختيار .