{ظَعْنِكُمْ} ،الظعن: السفر .
{إِقَامَتِكُمْ} ،الإقامة: الحضر .
مظاهر متنوعة لنعم الله على الإنسان:
ثم تتحرك الجولة القرآنية في آفاق حياة الناس لتدلهم على آثار نعمة الله فيها ،فتدخل إلى بيوتهم ،وإلى ما يسّره الله لهم من طمأنينة العيش وراحته فيها ،{وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً} ،يتخفف الإنسان فيها من جهد العمل ،وتعب التنقل ،ويحس فيها بأنه يسكن إلى أرض وسقف يتحقق له فيها الكثير من السكينة والطمأنينة وراحة الروح والجسد .ولعلّ هذه المشاعر التي يستوحيها الإنسان من كلمة السكن ،ومن معنى البيت في الواقع ،لا يفهمها إلا الذين يفقدون البيت ،وينتقلون باستمرار من مكانٍ إلى مكان في دوّامةٍ من عدم الاستقرار .وقيمة البيت لا تتعلق بالجدران التي تحوطه والسقف الذي يظله ،بل في ما يتضمنه معنى السكن في داخله ،من حرمة معنوية جعلها الله له ،إذ حرم الله على الآخرين دخوله دون إذن صاحبه ،والتلصص عليه ،والتجسس على ما في داخله ،وأحلّ لصاحبه مواجهة كل من يحاول الاعتداء عليه بأيّ شكلٍ من الأشكال ؛لأن الله يريد للإنسان أن يكون البيت ساحةً مغلقةً يمارس فيها خصوصياته الذاتية والعائلية في الحدود التي أراد الله له فيها أن يعيش حريته الخاصة .
{وَجَعَلَ لَكُمْ مِّن جُلُودِ الأنْعَامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ} ،ليس من الضروريدائماًأن تكون البيوت ثابتة من حجارةٍ وحديد وخشب ونحوها ،فهناك نوع آخر من البيوت الخفيفة التي يحملها الإنسان معه عندما يسافر ،وينصبهاحيث يشاءبسرعة ،عندما يقيم ،كالبيوت التي كان العرب وغيرهم من البدو يصنعونها على شكل الخيام ،ليقيموا فيها مدةً ،ثم يحملونها معهم عندما يريدون السفر .لذا فإن خلق الله للأنعام التي يصنعون من جلودها البيوت الخفيفة المتنقلة تعد نعمة في هذا المجال ،{وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَآ أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ} ،والأنعام نعمة أيضاً لجهة ما يصنعه الناس من صوفها ووبرها وشعرها من فراش وثياب ورياش يتناسب مع الحياة الداخلية في أجواء البيت وأهله .