{أَلَمْ يَرَوْاْ إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَآءِ} ،حيث تملأ أنواعها المختلفة الفضاء .فهي بأجنحتها التي تنقبض وتنبسط عند التحليق ،تؤدي ما سخرها الله له من مهمّاتٍ تتعلق بها وبالحياة من حولها ،ضمن نظام الكون الدقيق ؛حيث تتوزع المخلوقات الأدوار فيه ،فلكل مخلوقٍ دوره الذي قد يتحرك فيه بفطرته وغريزته ،وقد يتحرك فيه بقوانينه الطبيعية التي أودعها الله فيه ،ويمارس حركته الذاتية بقدرة الله الذي جعل لكل شيءٍ سنّة من سننه التي ترتبط فيها المسببات بأسبابها ،فهو الذي يخلق السبب ويودع فيه سرّ السببيّة ،كما يخلق في المسبب معناه وخصوصياته .وبذلك لا تكون إرادة الله للأشياء منافيةً لعلاقة الأشياء بأسبابها ،كما لا يكون قانون السببيّة بعيداً عن ارتباط الأشياء كلها بإرادة الله ..وذلك هو معنى التوحيد في الإسلام ،الذي لا يلغي التفسير العلمي للأشياء ،بل يؤكده انطلاقاً من إرادة الله التي تعلقت بالأشياء من خلال قانون السببية في الكون .وهذا ما نستوحيه من قوله تعالى عن الطيور:{مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللَّهُ} ،فهو الذي منحها هذا التماسك الذي يمنعها من السقوط ،حيث لا أرض تقف عليها ،ولا قاعدة تستند إليها ،بما أودعه في أجنحتها وتكوينها الجسدي ،من خصائص تمنحها القدرة على الطيران الذي يتلاءم مع أجواء الفضاء ،{إِنَّ فِي ذلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} ،فيعيشون روح الإيمان ،من خلال اكتشاف أسرار العظمة في خلق الله في هذه المخلوقات الطائرة ،ويتعمّق هذا الإيمان في قلوبهم ،بتعمق الفكر في دلالات هذا النظام العجيب في خلق الكون ،وما فيه من موجودات .