قوله: ( ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء ما يمسكهن إلا الله ) ،الاستفهام للتنبيه .وذلك تنبيه من الله للناس والغافلين إلى ظاهرة الطيران في جو السماء ،وهو: الهواء المتباعد من الأرض في سمت{[2578]} العلو .وظاهرة الطيران تثير الانتباه ،وتوجب إطالة النظر حقا .وهي واحدة من الظواهر الكاثرة المبثوثة في هذه الطبيعة ،مما يدل على بديع صنع الخالق القادر .وهذا هو قوله سبحانه: ( ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء ) ، أفلا يتدبر الناس ويتفكرون في الطير على اختلاف أنواعهن وأجناسهن ،وعجيب أشكالهن وألوانهن ،وهن يجبن عنان السماء طائرات مرفرفات محلقات .لا جرم أن الطير برفيفهن السابح في أجواز السماء ( مسخرات ) ،أي: مذللات للطيران بما أوتين من أسباب خلقية وقدرات ذاتية ،كل ذلك يزجي بالدليل الساطع على عظمة الصانع .
قوله: ( ما يمسكهن إلا الله ) ،أي: جعل الله فيهن خاصية الطيران ؛فهن في قبضهن وبسطهن أجنحتهن: سابحات في الهواء ،لا يمنعهن من السقوط إلا الله .
قال الرازي في ذلك: المعنى: أن جسد الطير جسم ثقيل ،والجسم الثقيل يمتنع بقاؤه في الجو معلقا من غير دعامة تحته ولا علاّقة فوقه ،فوجب أن يكون الممسك له في ذلك الجو هو الله تعالى .
قوله: ( إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ) ،فيما تقدم من ظاهرة الطيران ،وما بث الله في الطير من خصوصية عجيبة ليطير في جو السماء سابحا ،لهو دليل ظاهر أبلج على أن الله حق .وذلك ( لقوم يؤمنون ) ،فقد خص المؤمنين بهذه الدلائل ؛لأنهم هم المنتفعون بها .وذلك بما أوتوه من استقامة الطبع والفطرة وسلامة النفس من أمراض الشك والتردد والاغترار والاستكبار{[2579]} .