قوله تعالى:{والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون ( 78 ) ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء ما يمسكهن إلا الله إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ( 79 )} ،يمنّ الله على عباده أن أخرجهم من بطون أمهاتهم لا يعلمون شيئا ؛فهم مخلوقون من غير إدراك ولا وعي ولا حس ،فما من مولود يأتي إلى هذه الدنيا ،إلا وهو إذ يجاء به لا يعلم شيئا ،وذلك لبساطة خلقته وبالغ ضعفه ؛إذ ذاك .لكن الله قد تفضل عليه ،فرزقه رويدا رويدا حواسه الأساسية ،وهي السمع والأبصار والأفئدة ؛ليصير بذلك ذا وعي وفهم وإدراك فقال: ( وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة ) ،أفرد السمع على أنه في الأرض مصدر ؛فقد جعل الله هذه الأشياء آلات ووسائل أساسية ؛ليتحصل بها الإنسان العلم والمعرفة والإدراك .والمعنى: أن الله جعل لكم السمع لتسمعوا به ما يجري من مسموعات وأحداث .ومن أعظم ما تسمعون لهي آيات الكتاب الحكيم وما حوته من عجائب المعاني والمشاهد والمواعظ والأخبار .وكذلك جعل الأبصار لتبصروا بها عجائب ما خلق الله في هذا الكون مما حوته الأرض والسماء .وكذلك جعل الله الأفئدة: وهي العقول ،أداة التدبر والتفكر ،ووسيلة الفهم والاستبصار ؛لتستدلوا بذلك كله على وحدانية الله ،وأنه الخالق الموجد البديع .( لعلكم تشكرون ) ،أي: خلق الله فيكم هذه المركبات طورا عقب طور ؛لتستيقنوا مبلغ فضل الله عليكم فتشكروه .