/م77
المفردات:
الأفئدة:واحدها: فؤاد ،وهي القلوب التي هيأها الله للفهم ،وإصلاح البدن .
التفسير:
{والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون} .
يذكر الحق سبحانه:نعمة جديدة ،هي نعمة الخلق ،وتكوين الجنين في بطن أمه ،ثم خروجه إلى الحياة لا يعلم شيئا ،فشق الله له للسمع أذنين ،وللنظر عينين ،وللبطش يدين ،وللمشي رجلين ،ووهبه العقل والفؤاد ،وأمده بأجهزة متعددة ،كالجهاز العصبي والجهاز اللمفاوي والجهاز الهضمي ،ويسر له سبل الحياة ؛ليختار الهدى أو الضلال .
قال تعالى:{إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا* إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا}( الإنسان:3 ، 2 ) .
وقد خلق الله الجوارح للإنسان ؛حتى ييسر عليه شئون الحياة ،فالسمع:ييسر له سماع الوحي والمواعظ ،والأخبار والعلوم والآداب ،والنظر:يتأمل به في ملكوت السماوات والأرض ،ويشاهد المشتريات فيأخذ الحسن ويترك الردئ ،والرجل: يمشي بها إلى الخير والرياضة ،والدراسة والصلاة ،واليد: يأخذ بها الكتب ويمسك بالقلم ويتعلم ويعلم ،وبهذه الجوارح يعبد الله وينفع وينتفع ،وإذا أطاع العبد ربه ؛ بارك له في صحته وعافيته ،ويسر له استخدامها فيما يفيد البلاد والعباد ،وهذا هو شكر النعمة ، أي:استخدام الجوارح فيما خلقت له .
روى البخاري في صحيحه:أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:( يقول الله تعالى: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب ،وما تقرب عبدي إلي بشيء أفضل مما افترضته عليه ،ولا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه ،فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ،وبصره الذي يبصر به ،ويده التي يبطش بها ،ورجله التي يمشي عليها ،ولئن سألني لأعطينه ،ولئن دعاني لأجيبنه ،ولئن استعاذ بي لأعيذنه ،وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض عبدي المؤمن ؛يكره الموت ،وأكره مساءته ،ولابد له منه )52 . وفي هذا الحديث دليل على معونة الله للصالحين ،وبركاته للمتقين ،حتى إنه يجعل سلوكهم موفقا ، وأعمالهم هادفة ،وتفكيرهم سليما ،وقريب من هذه الآية قوله تعالى:{قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون}( الملك:23 ) .
{لعلكم تشكرون} . أي:رجاء أن تشكرون باستعماله نعمه ،فيما خلقت لأجله ،وتتمكنوا بها من عبادته ،وتستعملوا كل جارحة في الخير والعمل النافع ومساعدة عباد الله ،لكن بعض الناس هو الذي يفلح في أداء هذه الرسالة ،وقليل منهم هو الذي يشكر الله على نعمة هذه الجوارح ،ويرى آخرون أن الناس جميعا يشاركونهم في هذه النعمة ،ويريدون ألا يشكروا إلا على نعمة خاصة به ،مع أن كل إنسان يرى نفسه أعقل الناس ،ويرى أن رأيه أفضل الآراء ،فلماذا لا يشكر الله على هذه النعمة ،التي يرى نفسه مختصا بها .