{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} ؛لأن قراءة القرآن تفتح قلب الإنسان وعقله وروحه وحياته على الخير كله ،والحق كله ،ولا بد له من أن يعيش هذا الانفتاح على القرآنقبل أن يقرأهويتعمّق في وحيه وهو يقرأه ،ويستمر في التحرك في نطاق مفاهيمه بعد أن ينتهي من القراءة ،ليكون القرآن كتاب الحياة الذي ينبض مع كل نبضةٍ في قلبه ،ويحلّق مع كل تحليقةٍ في فكره ،وينطلق معه في كل حركة من حياته ،وليأخذ منه عقيدته وشريعته وأسلوبه ومنهجه في الحياة ،وكل تطلعاته تجاه المستقبل ،وليكون القرآن كل خُلُقه ،في ما يتميز به من خلق الإنسان الذي يحتوي كل سلوكه في علاقاته ومعاملاته .ولهذا كان لا بد للقراءة القرآنية من جوّ روحي منفتح على الله ،لينفتح على الحياة كلها من خلال الله .وهنا قد يتدخل الشيطان ،فيلهيه عن ذكر الله ،ويجمد إحساسه وشعوره عن وعي الحقيقة القرآنية ،ويصرفه عن الانطلاق مع مفاهيمه في أجواء حياته ،ليدفعه إلى أجواء أخرى من اللهو والضلال والضياع ،فيلعب به كما يريد ،ويلهو بعقله وبفكره كما يشاء ..ولذلك فلا بد من الاستعاذة بالله منه ،فيتذكر الله عندما يتذكر الشيطان ،فيستعين به ،ويستمد منه القوّة في عقله وشعوره وإرادته ،ليواجه كل خطوات الشيطان وأحابيله وخدعه وغروره وفتنته ،فيتخلص من سيطرته على كل نزوات اللحم والدم ،وكل شهوات المطامع .
وهذا ما نستوحيه من الاستعاذة بالله ،فهي ليست مجرد موقف يتطلع فيه الإنسان إلى اللهسبحانهليحل له مشكلته ،بشكلٍ مباشرٍ ،دون أن يقوم بأيّ جهدٍ إرادي في هذا الاتجاه ،بل هي موقفٌ يستجير فيه المؤمن بربه ،ليعيش ثقته بالله من خلال إحساسه برحمته ،ويستعيد عقيدته بقوة الله ،التي تمد كل الحياة بالقوة ،فينطلق في كل عملية مواجهة من هذا الموقع القوي ،ويعمل ،بكل طاقاته ،في خط المواجهة لكل تحرك مضادٍّ له في إيمانه ،ثم ينتظر أن تنهمر فيوضات الله وألطافه على روحه برداً وبركةً وسلاماً ،وبذلك ينتصر من مواقع الإرادة والإيمان والممارسة ،فيخرج من سلطان الشيطان ليبقى في سلطان الله .