{مَّحْسُوراً}: هو المنقطع به لذهاب ما بيده .
مناسبة النزول
جاء في الكافي في حديث مرفوع إلى عجلان قال: كنت عند أبي عبد الله ( ع ) فجاء سائل ،فقام إلى مكتل فيه تمر ،فملأ يده فناوله ثم جاء آخر فسأله ،فقام فأخذ بيده فناوله ،ثم جاء آخر فسأله ،فقام فأخذ بيده فناوله ، َ ثم جاء آخر ،فقام فأخذ بيده فناوله ،ثم جاء آخر ،فقال: الله رازقنا وإيّاك .
ثم قال: إن رسول الله ( ص ) كان لا يسأله أحد من الدنيا شيئاً إلاّ أعطاه ،فأرسلت إليه امرأة ابناً لها ،فقالت: فاسأله ،فإن قال: ليس عندنا شيء ،فقل: أعطني قميصك .قال: فأخذ قميصه فرماه إليهوفي نسخة أخرى: وأعطاهفأدّبه الله تبارك وتعالى على القصد فقال:{وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً} قال: الإحسار: الفاقة .
وجاء فيه أيضاً حديث مرفوع إلى مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله ( ع ) قال: قال: علّم اللهعزّ اسمهنبيه كيف ينفق ،وذلك أنه كانت عنده أوقية من الذهب ،فكره أن يبيت عنده ،فتصدّق بها ،فأصبح وليس عنده شيء .وجاء من يسأله ،فلم يكن عنده ما يعطيه ،فلامه السائل واغتمّ هو ،حيثما لم يكن عنده شيء ،وكان رحيماً رقيقاً ،فأدّب اللهعزّ وجلّنبيّه بأمره فقال:{وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً} يقول: إن الناس قد يسألونك ولا يعذرونك ،فإذا أعطيت جميع ما عندك من المال كنت قد حسرت من المال
{وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ} وهذا هو خط التوازن في الإنفاق ،فلا يريد الله للإنسان أن يمنع عطاءه بحيث لا ينفق من ماله شيئاً ،كمن تكون يده مقيدةً إلى عنقه ،فلا ينزل منها شيء لعدم قدرته على الإعطاء والبذل ،وهذا على سبيل المبالغة في النهي عن البخل والإمساك ،{وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} بحيث تعطي كل ما لديك فتكون بمنزلة من بسط يده كل البسط ،ولم يبق له منه شيء ليحتفظ به للمستقبل ،{فَتَقْعُدَ مَلُوماً} تعيش التأنيب النفسي ،إذ تلومك نفسك لأنك لم تبق لها بقيّةً من مال يحفظ لحياتك عزتها وكرامتها ،{مَّحْسُوراً} تواجه الناس من موقع الحاجة التي قد تنتهي بك إلى مشاكل مادية ومعنوية في حركة حياتك مع الناس .
بين التوازن في الإنفاق ومبدأ الإيثار
وربما يثار هنا سؤال ،وهو كيف نوفق بين هذا المبدأ الذي لا يسمح للإنسان ببذل كل ما عنده ،وبين الإيثار الذي يتحدث عنه القرآن كقيمةٍ إنسانيةٍ روحية ؟والجواب ،أن هذا المبدأ يرتكز على أساس التأكيد على التوازن في العطاء ،بحيث يبقى لديه بقيّةٌ يستطيع من خلالها أن ينفع نفسه وينفع الآخرين بتحريكها وتنميتها من جديد ،بينما يرتكز الإيثار على جانب تقديم منفعة الآخرين على منفعة نفسه ،فإذا كان محتاجاً إلى شيء ،فإنه يتنازل عنه إذا طلبه منه الناس الذين يحتاجون إليه حتّى ولو كان هذا الشيء هو كل ما عنده ،فلكل مبدأ مجالٌ يختلف عن الآخر في مدلوله ومعناه