قوله تعالى:{ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا ( 29 ) إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه كان بعباده خبيرا بصيرا ( 30 )} بعد أن أمر الله بالإنفاق على أولي القربى والمساكين وابن السبيل ،بيّن كيفية الإنفاق .وجملة ذلك: مجانبة الإفراط والتفريط ،أو التقتير والتبذير .وكلا الأمرين في تصور الإسلام بغيض ومحظور .فهما مما نهى الله عنهما ورسوله .لا جرم أن الإسلام دين الاعتدال والتوازن والوسط ؛فهو يندد بالتقتير تنديده بالتبذير .وكذلك يندد بالإفراط كتنديده بالتفريط .وتلك هي المحجة المستقيمة التي رسخها الإسلام بعيدا عن كل ظواهر الزيغ والاعوجاج .ويكشف عن هذه الحقيقة قوله في سورة الفرقان: ( والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما ) وقال سبحانه ههنا: ( ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ) هذا من باب المجاز ،عبّر به عن البخيل الممتنع من الإنفاق والذي لا يعطي من ماله شيئا ؛فهو كالذي تشد يده إلى عنقه فلا يقدر على التصرف بها لا أخذا ولا إعطاء .والمراد النهي عن الإمساك والشح ؛فإن الشح بغيض إلى الله بغيض إلى عباده .
قوله: ( ولا تبسطها كل البسط ) ( كل ) ،منصوب على المصدر لإضافته إليه .وهذا مثل آخر ضربه في المبذر المسرف .ذلك أن قبض اليد يحبس ما فيها ،وهو كناية عن البخل .أما بسطها: فإنه يُُذهب ما فيها وهو كناية عن التبذير ،وكلا النقيضين ،البخل: والتبذير ،محظور .
قوله: ( فتقعد ملوما محسورا ) ( ملوما ) ،أي يلوم نفسه على ما فاته من ماله ؛فقد ضيّع ماله بالكلية ولم يُبق لنفسه وأهله وولده منه شيئا .وكذلك يلومه الناس لعدم إعطائهم منه شيئا .و ( محسورا ) ،أي نادما على ما فرط منه ،أو منقطعا به لا شيء عنده .والمقصود: تشبيه حال من أنفق كل ماله بمن انقطع في سفره{[2675]} .