{بِوَرِقِكُمْ}: بدراهمكم المضروبة .
البعث بعد نوم طويل
{وَكَذلِكَ بَعَثْنَاهُمْ} من نومهم الطويل ،الذي لم يشعروا فيه بالزمن الذي بلغ ثلاثة قرون وتسع سنوات ،تماماً كما يبعث الله الناس بعد الموت ،دون أن يحسوا بطبيعة الأجيال التي تفصل بين يوم البعث وبين ساعة الموت ،{لِيَتَسَآءَلُوا} كما يتحرك مثل هذا السؤال في الدار الآخرة بعد البعث .{قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَم لَبِثْتُمْ قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} لأنّهم يحسون بالامتلاء بالراحة والاكتفاء من النوم ،وهذا ما يوحي إليهم بأن نومهم قد استمر وقتاً يكفي لمنحهم مثل هذه القوّة الجسدية ،كما لم يلاحظوا أيّ تغير في أوضاعهم يوحي بمرور الزمن .ولعل من الواضح أن اللام هنافي «ليتساءلوا »ليست للغاية ،بل للعاقبة ،لأننا لا نفهم أن تكون الغاية من بعثهم هو تساؤلهم ،وكذلك ما تقدم في أن بعثهم ليعلم مدة مكثهم في الكهف ،فلا تنافي بين الموردين .
{قَالُواْ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ} في إحساسٍ خفيٍّ ،بأن هناك وضعاً غير عادي في حالتهم ،أو في محاولة للابتعاد عن الجدل في ما لا فائدة منه ،وكأنهم عاشوا الإحساس بالجوع بشكل ضاغط ،لا يمكن لهم أن يتحملوه ،إذ رأوا أنه لا بد من خروج بعضهم لشراء الطعام ،حتى لو أدّى ذلك إلى التعرُّض للخطر من قِبَل الكفار ،فقرَّروا تكليف أحدهم بهذه المهمة وقالوا:{فَابْعَثُواْ أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ} وهي الدراهم المضروبة ،التي قيل أنها كانت تحمل صورة الملك الذي كان في زمانهم ،وأن اسمه دقيانوس .
{إِلَى الْمَدِينَةِ} وقيل: اسمها طرسوس .{فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَآ أَزْكَى طَعَامًا} ليختار الطعام الشهيّ اللذيذ ،{وَلْيَتَلَطَّفْ} أي ليظهر اللطف والرفق مع أهل المدينة في علاقته معهم حتى لا يحصل هناك أيّ خلاف يؤدي إلى انكشاف أمرهم ،وبالتالي إلى انكشاف موقعهم{وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا} في أيّة مناقشة أو سؤالٍ أو دخولٍ في حوارٍ مع الناس ،لأن ذلك يجلب لكم المتاعب ،ويؤدي بكم إلى مواجهة الأخطار على مستوى قضية الإيمان والحياة .