{إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ} فإذا تمكنوا من السيطرة عليكم وهم الذين يملكون وسائل القوّة والبطش والسيطرة ،{يَرْجُمُوكُمْ} ويقتلوكم بأبشع أدوات القتلوهو الرجم بالحجارةإذا أصررتم على البقاء في خط الإيمان ،وامتنعتم عن الخضوع لهم في السير في خط الكفر والضلال الذي يسيرون عليه ،{أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ} إذا استسلمتم لنوازع الضعف الكامنة في نفوسكم ،وعدتم إلى عبادة الأصنام التي تحررتم منها بعبادة الله ،وتحركتم في خدمة الطغيان الذي رفضتموه وفارقتموه إلى غير رجعة .{وَلَن تُفْلِحُواْ إِذًا أَبَدًا} لأن هذا النهج الذي يتحركون فيه ،ويدعونكم إلى الالتقاء معه ،لا يمثل أيّة فرصة للفلاح في الدنيا والآخرة .
أهل الكهف ..ومبدأ التقية
وقد أثار المفسرون في التعليق على هذه الفقرة من الآية سؤالاً ،وهو أن أصحاب الكهف ،لو عادوا إلى ملة هؤلاء ،فإنهم لا يعودون إليها في الباطن ،بل يعودون إليها في الظاهر ،كالكثيرين من الذين يستعملون سبيل التقية للفرار من الموت ،أو للتخلص من الحرج العظيم .وهذا ما أكده الله في كتابه{إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [ النحل:106] ،وقوله تعالى:{إِلاَ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً} [ آل عمران:28] .
وعلى ضوء ذلك كيف ينفي الفلاح الأبديّ عنهم ؟!
والجواب عن ذلك ،أن المسألة المطروحة أمامهم ،هو الالتزام بالخط الإلهي الذي يؤدي إلى الرجم والهلاك ،أو الانحراف عنه وهو الذي يؤدي إلى فقدان الفلاح الأبديّ ،باعتبار أن طبيعة الأمر تدور بين هذين الموقفين ،ولا خيار غير أحدهما: الهدى أو الضلال .ولم تكن مسألة التقية مطروحةً لديهم كخيارٍ ثالثٍ ،كما لم تكن مطروحةً عندهم في البداية .
إنهم يريدون الموازنة بين الموقفين من ناحيةٍ موضوعيةٍ ،لا من ناحيةٍ ذاتية ؛والله العالم .