قوله تعالى:{إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ في مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُواْ إِذًا أَبَدًا 20} .
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة عن أصحاب الكهفأنهم قالوا إن قومهم الكفار الذين فروا منهم بدينهم إن يظهروا عليهم ،أي يطلعوا عليهم ويعرفوا مكانهم ،يرجموهم بالحجارة ،وذلك من أشنع أنواع القتل .وقيل: يرجموهم بالشتم والقذف ،أو يعيدوهم في ملتهم ،أي يردوهم إلى ملة الكفر:
وهذا الذي ذكره هنا من فعل الكفار مع المسلمينمن الأذى أو الرد إلى الكفرذكر في مواضع أخر أنه هو فعل الكفار مع الرسل وأتباعهم ؛كقوله جل وعلا:{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِّنْ أَرْضِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ في مِلَّتِنَا} ،وقوله تعالى:{قَالَ الْمَلأ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قريتنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِين 88 َقَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا في مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لنا أَن نَّعُودَ فيها إِلاَ أَن يشاء اللَّهُ} الآية ،وقوله تعالى:{وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ} إلى غير ذلك من الآيات .
مسألة
أخذ بعض العلماء من هذه الآية الكريمة أن العذر بالإكراه من خصائص هذه الأمة ،لأن قوله عن أصحاب الكهف{إِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ في مِلَّتِهِمْ} ظاهر في إكراههم على ذلك وعدم طواعيتهم ،ومع هذا قال عنهم:{وَلَن تُفْلِحُواْ إِذًا أَبَدًا 20} فدل ذلك على أن ذلك الإكراه ليس بعذر .ويشهد لهذا المعنى حديث طارق بن شهاب في الذي دخل النار في ذباب قربه مع الإكراه بالخوف من القتل ؛لأن صاحبه الذي امتنع أن يقرب ولو ذباباً قتلوه .
ويشهد له أيضاً دليل الخطاب ،أي مفهوم المخالفة في قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه » فإنه يفهم من قوله: «تجاوز لي عن أمتي » أن غير أمته من الأمم لم يتجاوز لهم عن ذلك .وهذا الحديث وإن أعله الإمام أحمد وابن أبي حاتم فقد تلقاه العلماء قديماً وحديثاً بالقبول ،وله شواهد ثابتة في القرآن العظيم والسنة الصحيحة .وقد أوضحنا هذه المسألة في كتابنا ( دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب ) في سورة «الكهف » ،في الكلام على قوله{إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ} الآية ؛ولذلك اختصرناها هنا .أما هذه الأمة فقد صرح الله تعالى بعذرهم بالإكراه في قوله:{إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} .والعلم عند الله تعالى .