{قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً} لاسترشد به في مهمّاتي التي كلفني الله بها ،لأنني بحاجة إلى الاستزادة من العلم ،باتباع الذين يملكون ما لا أملكه منه .
ما مدى علم النبي ؟
وهذا حديث عن مدى علم النبي في سعته وشموله ،فهل من الضروري أن يملك علم كل شيء ،أو أن المسألة تقتصر على ما أراد الله له أن يعلمه في ما يختص بتبليغ رسالته وما تحتاجه من معرفة التفاصيل ؟فقد ذهب البعض إلى ضرورة إحاطة النبي بعلم كل شيء ،بما في ذلك مفردات العلوم الطبيعية ،والقضايا الجزئية ،لأن النبي يمثل الشخص الذي يجب على كل الناس أن يطيعوه ويقتدوا به ،فلا بد من أن يكون أعلم الجميع ،لأن العقل لا يجوّز إمامة الجاهل للعالم ،ولو في الموارد الخاصة .
ولكن هناك رأياً آخر ،يقول: إن العقل لا يفرض ،في مسألة القيادة والإمامة والطاعة ،إلا أن يكون الشخص الذي يتحمل هذه المسؤوليات محيطاً بالجوانب المتصلة بمسؤولياته ،في ما لا يحيط به الناس إلا من خلاله ،أما الجوانب الأخرى من جزئيات حياتهم العامة ،أو من مفردات علوم الحياة والإنسان ،أو من خفايا الأمور البعيدة عن عالم المسؤولية ،أما هذه الجوانب ،فلا دليل على ضرورة إحاطته بها ،ولا يمنع العقل أن يكون لشخص حق الطاعة في بعض الأمور التي يحيط بها ،على الناس الذين يملكون إحاطةً في أشياء أخرى لا يحيط بها ولا تتعلق بحركة المسؤولية .
وربما كانت هذه القصة دليلاً على صحة هذا الرأي الذي نميل إليه ،كما يميل إليه بعض العلماء القدامى ،لأنه يلتقي بالجوّ القرآني الذي يتحدث عن الأنبياء بطريقةٍ معينةٍ بعيدةٍ عما اعتاده الناس في نظرتهم إليهم من خلال الأسرار الخفيّة والكمال القريب من المطلق .