{فَأَجَآءهَا}: جاء بها ،كناية عن الدفع والإلجاء .
{الْمَخَاضُ}: الطّلق ،ووجع الولادة .
{نَسْياً}: النَّسْي: الشيء الحقير الذي يُنسى .
{فَأَجَآءهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ} أي فاجأها الطلق الذي يسبق الولادة ،وحملها ما أخذت تعانيه من ألم إلى جذع النخلة لشعورها آنذاك بالحاجة إلى شيء صلب تستند إليه لتكتسب قوة وتماسكاً ،وولدت عيسى( ع ) في ما يشبه الصدمة لمشاعر مريم( ع ) ،وتحرك الضعف الأنثوي فيها ليثير في داخلها الإحساس بالعجز عن مواجهة هذا الحدث الذي لا تملك أن تدافع عن طبيعته أمام الناس ،فهم لا يفهمون سرَّ الإعجاز الإلهي الكامن فيه ،بل يرون فيه مظهر انحراف في أخلاقيتها وسقوط في شرفها ،ونقص في عفتها ،لما توحي به أمثال هذه الحادثة من وجود علاقةٍ غير شرعية ،ما دام احتمال نشوء المولود عن علاقةٍ زوجيةٍ معلنةٍ أمراً غير وارد في الموضوع .
وشعرت أن المسألة أكبر من طاقتها لا سيما وهي تعيش الوحدة ،فلا أنيس تأنس به وتشكو إليه همومها الجديدة ليخفف عنها ،ولا صديق تبحث معه مشكلتها ليساعدها في الحل ،فأطلقت صرخة الإنسان الضعيف المسحوق الذي شعر في لحظةٍ كما لو أن الحياة عبء ثقيل عليه ،لأنها تحشره في زاوية ضيقة من التجربة الصعبة التي لا يستطيع الخروج منها ،أو السيطرة عليها .وكانت تواجه نتيجة هذا الموقف وضعاً اجتماعياً بالغ الصعوبة يهدد سمعتها وكرامتها وموقعها ؛وهكذا{قَالَتْ يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً} حتى لا أواجه نظرات الاتهام القاسية ..
وكانت المفاجأة الأولى التي شكلت انطلاقة هذا الوليد العجائبية ،إن مريم سمعت كلاماً لا بكاءً ،وتلفتت يميناً وشمالاً فلم ترَ أحداً هنا أو هناك ،وإذا بالصوت يأتي من الأسفل ،حيث فراش الوليد ،إنه يتكلم ليفتح لها باب الرضا والطمأنينة ،وليسبغ عليها سكينة الروح ،وهدوء المشاعر .