إِنّ التعبير بجذع النخلة ،وبملاحظة أن الجذع يعني بدن الشجرة ،يوحي بأنّه لم يبق من تلك الشجرة إِلاّ جذعها وبدنها ،أي إِنّ الشجرة كانت يابسة{[2345]} .
في هذا الحال غمر كل وجود مريم الطاهر سيل من الغم والحزن ،وأحسست بأنّ اللحظة التي كانت تخشاها قد حانت ،اللحظة التي مهما أخفيت فإِنّها ستتضح هناك ،وسيتجه نحوها سيل سهام الاتهام التي سيرشقها بها الناس .
لقد كان هذا الاضطراب والصراع صعباً جدّاً ،وقد أثقل كاهلها إلى الحد الذي تكلمت فيه بلا إِرادة و ( قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً ) .
إِنّ من البديهي أنّ الخوف من التهم في المستقبل لم يكن الشيء الوحيد الذي كان يعصر قلب مريم ويقلقها ،وإِن كان هذا الموضوع يشغل فكر مريم أكثر من أية مسألة أُخرى ،إِلاّ أنّ مشاكل ومصائب أُخرى كوضع الحمل لوحدها بدون قابلة وصديق ومعين في الصحاري الخالية ،وعدم وجود مكان للاستراحة ،وعدم وجود الماء للشرب ،والطعام للأكل ،وعدم وجود وسيلة لحفظ المولود الجديد ،وغير هذه الأُمور كانت تهزّها من الأعماق بشدّة .
قد يتساءل البعض باعتراض: كيف أنّ مريم المؤمنة والعارفة بالتوحيد حيث رأت كل ذلك اللطف والإِحسان الإِلهي ،أجرت مثل هذه الجملة على لسانها وقالت: ( يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً ) ،إلاّ أنّ هؤلاءلم يدركوا أبداً حال مريم في تلك الساعة ،ولو أنّهم أصابهم شيء قليل من هذه المشاكل فإِنّهم سينسون حتى أنفسهم .
/خ26