] وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا[ أي أنَّ لكلّ قومٍ وجهةً يتجهون إليها من خلال القاعدة الفكرية الإيمانية التي يرتكزون عليها في ما يأخذون به أو يتركونه ،أو ينطلقون به من مواقع ومواقف وعلاقات بالحياة وبالإنسان ،سواء في ذلك الأنبياء الذين ينطلق كلّ واحدٍ منهم بملّته ووجهته التي تختلف في خصوصياتها فتتعدّد جهاتها ،ولكنَّها تلتقي في الإسلام الذي يجمع الرسالات كلّها عند الانقياد للّه في كلّ شيء ،وهذا هو ما ينبغي للمسلمين أن يتحرّكوا فيه في انفتاحهم على الكعبة التي أراد اللّه لهم أن يتوجهوا إليها ،بعيداً عن كلّ عناصر الشك التي يثيرها اليهود والمنافقون في عملية تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة ،ليعرفوا أنه ليس من الضروري أن يتبعوا القبلة التي شرّعها الأنبياء من قبلهم ،لأنه من الممكن أن يختلف اتجاه القبلة بين رسالةٍ وأخرى ،وبين نبيّ وآخر ،] فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ[ فهذا هو الوجه الذي أراد اللّه لكم أن تستقبلوه في كلّ مواقع حياتكم في رسالتكم التي حمّلكم اللّه إياها من خلال رسوله بالمسارعة إلى الخيرات التي تمثّل حركة الحياة في إيجابياتها الروحية والأخلاقية في الإنسان بعلاقته بالإنسان الآخر ،وبالكون من حوله ،عندما يقدّم من عقله وقلبه وروحه وجهده الكثير من الأفكار والمشاعر والعواطف والأعمال التي تفتح آفاقه على عوالم جديدة كما توجّه خطواته إلى دروب جديدة ،وترتفع بحياته إلى الدرجات العليا على مستوى تطوير طاقاته وتنميتها وتحويلها إلى عناصر حيّة في كلّ اتجاه من اتجاهات الحركة في الحياة .
إنها الخيرات ،العنوان الكبير لاستقامة الحياة على الخطّ الصالح الذي يربط بين اللّه والإنسان والحياة في دائرة المسؤوليات العامة التي يريدها اللّه للحياة من خلال الإنسان ،لتكون على الصورة التي أراد لها أن تتمثّل فيها على أساس الحقّ الذي أقام عليه الكون كلّه .وهذا ما ينبغي للمسلمين أن يتنافسوا فيه ويلتقوا عليه ليواجهوا مسؤوليتهم أمام اللّه غداً ،فيحاسبهم على ما قدّموه من الخيرات التي أمرهم اللّه بالسعي إليها والعمل بها ،عندما يقوم النّاس لربّ العالمين .
] أَيْنَ مَا[ في أيّ مكان وموقع] تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ الله جميعاً[ حيث يبعثكم كما خلقكم ،وأماتكم] إِنَّ اللّه عَلَى كلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ[ فلا شيء خارج قدرة اللّه تعالى ،وليس البعث بأصعب من الخلق ،وليس الجمع بأصعب من التفريق .