لا مجال للتراجع:
وتعود الآيات مع التشريع الجديد في خطابٍ حاسمٍ للنبيّ ،لتؤكد له أنه الحقّ من ربِّه ،فلا مجال للتراجع عنه مهما حشد اليهود من ضغوط ومهما اتبعوا من أساليب التضليل ،فإنَّ اللّه لا يغفل عمّا يعمله عباده إزاء تكاليفه من طاعة أو معصية ...ويعود الخطاب من جديد للنبيّ أولاً وللمسلمين ثانياً بالقوّة الآمرة نفسها ،وبتعليل جديد ؛فإنَّ بعض الأحاديث الواردة في تفسير الآية تتحدّث عن تعاليم واردة في الكتب الدينية السابقة التي تذكر أنَّ النبيّ سيصلي إلى الكعبة ،ما يجعل من الانحراف عن ذلك حجّة للآخرين على المسلمين ،لأنه يكشف أنهم ليسوا الأمّة الموعودة في الكتب السَّماوية ...
ثُمَّ استثنى من هؤلاء النّاس الظالمين الذين لا يريدون أن يستسلموا للحقّ الذي يعرفونه في كتبهم ،بل يسيرون في طريق العناد والظلم للحقيقة وللمؤمنين ،فلا تخشوهم أيُّها المؤمنون ،لأنهم لا يستطيعون أن يوقفوا المسيرة ولا يملكون أن يضرّوكم شيئاً ،بل اجعلوا خشيتكم من اللّه الذي يملك لكم كلّ شيء ...
وتلتقي الآية بالنعمة التي يريد اللّه أن يُتمَّها على المسلمين من جهة إكمال التشريع الذي يبني لهم حياتهم على أساسٍ من الاستقرار والطمأنينة والسعادة الروحية والمادية .وفي هذا دلالة على أنَّ تدرّج التشريع وتطوّره يعتبر تدرّجاً بالنعمة ،فكأنَّ اللّه لا يريد أن يعطي النعمة دفعة واحدة ،بل يريد أن يجعل من كلّ نعمة ينزلها على الإنسان في تشريعه إعداداً لنعمةٍ جديدة في الطريق الأرحب نحو التكامل .
] وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ[ من أيّ موقعٍ من البلدان التي تبتعد بك عن المسجد الحرام أو عن مكة ،] فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ[ في صلاتك وفي كلّ عمل مشروط باستقبال القبلة ؛] وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ[ فهو القبلة التي شرّعها اللّه وجعلها القاعدة التي تتوحدون فيها وتتوجهون إليها في موقع من مواقع الإلزام الشرعي الذي لا مجال للانحراف عنه تحت تأثير أية حالة ذاتية أو أي ضغط خارجي ،] وَمَا اللّه بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ[ فلا تغفلوا عن الحقيقة الإيمانية في مراقبة اللّه لكم في كلّ الأمور .