] وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ[ فهذا هو التشريع المؤكّد الذي يزداد تأكيداً على مستوى الفريضة اليومية التي يجب عليكم أن تنفتحوا عليها في وعي الفكرة ،وتلتزموا بها في وعي العمل ،لتتحوّل لديكم إلى عادةٍ جديدة تنسخ العادة السابقة ،لتشعروا بأنَّ التشريع الجديد قد تحوّل إلى واقع جديد ،وتلك هي مهمة التشريع في حياة المسلمين ،بأن يتحوّل إلى حالةٍ تغييرية في حياة الأمّة لتكون في حجم العادة التاريخية المتجذرة في وجودها العملي ،لا مجرّد حالة طارئة في الواقع ،ليلتقي الخطّ في فريضة النبيّ الذي لا بُدَّ من أن يكون أوّل مسلم في وعي التشريع وحركته ،وفي فريضة الأمّة] وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ[ في صلاتكم وعباداتكم الأخرى المشروطة بالتوجّه إلى القبلة ،وعليكم أن تتابعوا ذلك وتلتزموه دائماً ،] لِئَلاَّ يَكُونَ للنّاس عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ[ من خلال التاريخ الذي كان يتحدّث به اليهودكما رويأنَّ النبيّ الموعود يصلّي إلى قبلتين ،أو ما كان يتحدّث به المشركونكما قيلويتساءلون كيف ترك محمَّد الكعبة وهو المؤهلكما يقوللإحياء ملّة إبراهيم التي سار عليها ،فإذا التزمتم بالكعبة قبلةً أبطلتم حجّة هؤلاء المضادة ممن ينفتح على الحوار ويقف أمام الحجّة ،] إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ[ ممن يعيش في مواقفه المضادة على أساس العناد الذي لا ينطلق من حجّة أو برهان ،بل من ذهنية العدوان الذاتي من خلال العقدة المستحكمة في نفسه ضدّ الحقّ وأهله .فليست المشكلة عندهم نوعية الاتجاه إلى بيت المقدس أو الكعبة ،بل المشكلة هي التزامكم بالدعوة الجديدة والدِّين الجديد الذي يلغي امتيازاتهم الناشئة من الفكر الباطل والخطّ المنحرف ،فهم الظالمون في مواقفهم وفي كلّ اتجاهاتهم الفكرية والعملية ،] فَلاَ تَخْشَوْهُمْ[ لأنهم لا يملكون لكم ضرّاً ولا نفعاً ،] وَاخْشَوْنِي[ لأني ربّكم الذي يملك وجودكم ومصيركم كلّه ،ما يفرض عليكم الالتزام بالدِّين الذي أنزلته والرسول الذي أرسلته ،] وَلأتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ[ في استقامة التشريع على الخطّ الذي تتكامل فيه قضاياكم ومواقفكم وخطواتكم في الحياة ،باعتبار أنَّ اللّه يريد للنّاس أن يتابعوا نعمه في تشريعاته ،كما يتابعونها في أوضاعهم العامة والخاصة ؛] وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ[ بما يوفره اللّه لكم من وسائل الهداية في امتحانه لكم واختباره لثباتكم على الإيمان ،وذلك إذا أخذتم بأسباب الهدى في ما يشرعه اللّه لكم من أحكامه ويوضحه لكم من مفاهيمه .