ثُمَّ يعطي للمسلمين الصورة الكاملة المتجسدة للنعمة التامة الشاملة في هذا الرسول العظيم الذي جاء من أجل أن يرفع مستوى الإنسانية في ما يتلوه من آيات اللّه ،ويزكي ضمائر النّاس وحياتهم ،ويعلّمهم الكتاب والحكمة وما لم يعلموه من حقائق الحياة في الدنيا والآخرة ...وينتهي الفصل بأمرهم لأن يذكروا اللّه في وجدانهم وفي ألسنتهم ،وفي وعيهم لمسؤوليتهم أمامه في الحياة ليذكرهم بنعمه وعفوه وغفرانه ،ودعاهم إلى أن يشكروا نعمته عليهم ولا يكفروا بها ويجحدوها لئلا يعاقبهم اللّه بإزالتها عنهم .
] كَمَآ أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنْكُمْ[ فهذه هي النعمة الكبرى التي تتفرع عنها كلّ النعم الصغيرة في تفاصيل التشريع ،لأنه يفتح لكم الأفق الكبير الذي يطلّ بكم على كلّ جمالات الحقّ وروائع الإيمان ،] يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا[ التي توحي إليكم بكلّ الحقيقة الصافية ،وترتفع بكم إلى الدرجات العليا من المعرفة ،وتمهّد لكم سبل الحياة القويمة ،وتعرّفكم ما يصلح أمركم أو يفسده ،وتقرّبكم إلى اللّه وإلى الخطّ المستقيم للسعادة في الدنيا والآخرة .
] وَيُزَكِيكُمْ[ وينمّي أرواحكم بالخير ،ويربي نفوسكم على الطهر والنقاء ،ويبتعد بكم عن كلّ الرذائل والنقائص الأخلاقية .
] وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ[ الذي أنزله اللّه على رسوله ليكون المنهج الذي تأخذون به في كلّ خطواتكم في الحياة ،] وَالْحِكْمَةَ[ التي تعرِّفكم كيف تركزون أقدامكم على الصراط المستقيم وتضعون كلّ شيء في موضعه ،فلا تخطئون في موقع ،ولا تنحرفون في طريق ،] وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ[ من فنون المعرفة في عالم الغيب والشهادة ،مما لم يسبق لكم معرفته في تجاربكم الماضية .