{ كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكّيكم ويعلّمكم الكتاب والحكمة ويعلّمكم ما لم تكونوا تعلمون 151} .
{ كما أرسلنا فيكم رسولا منكم} وقوله تعالى:{ فيكم} المراد به العرب .وكذلك قوله:{ منكم} .
وفي إرساله فيهم ومنهم نعم عظيمة عليهم لما لهم فيه من الشرف .ولأن المشهور من حال العرب الأَنَفة الشديدة من الانقياد للغير .فبعثه الله تعالى من واسطتهم ليكونوا إلى القبول أقرب{ يتلو عليكم آياتنا} يقرأ عليكم القرآن الذي هو أعظم النعم .لأنه معجزة باقية .ولأنه يتلى فتتأدى به العبادات ويستفاد منه جميع العلوم ،ومجامع الأخلاق الحميدة ،فتحصل من تلاوته كل خيرات الدنيا والآخرة{ ويزكّيكم} أي يطهركم من الشرك وأفعال الجاهلية وسفاسف الأخلاق{ ويعلّمكم الكتاب} وهو القرآن .وهذا ليس بتكرار .لأن تلاوة القرآن عليهم غير تعليمه إياهم{ والحكمة} وهي العلم بسائر الشريعة التي يشتمل القرآن على تفصيلها .ولذلك قال الشافعيّ رضي الله عنه:الحكمة هي / سنة الرسول .وقوله:{ ويعلّمكم ما لم تكونوا تعلمون} تنبيه على أنه تعالى أرسل رسوله على حين فترة من الرسل ،وجهالة من الأمم ،فالخلق كانوا متحيرين ضالين في أمر أديانهم .فبعث الله تعالى النبيّ بالحق .حتى علمهم ما احتاجوا إليه في دينهم .فصاروا أعمق الناس علما وأبرهم قلوبا وأقلهم تكلفا وأصدقهم لهجة .وذلك من أعظم أنواع النعم .قال تعالى:{ لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكّيهم}{[849]} الآية .وذم من لم يعرف قدر هذه النعمة فقال تعالى:{ ألم تر إلى الذين بدّلوا نعمة الله كفرا وأحلّوا قومهم دار البوار}{[850]} قال ابن عباس يعني ،بنعمة الله ،محمدا صلى الله عليه وسلم .ولهذا ندب الله المؤمنين إلى الاعتراف بهذه النعمة ومقابلتها بذكره وشكره .وقال:{ فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون 152} .