ولى الله تعالى نبيه إلى الكعبة ، تكريما للبيت وتشريفا له ولبانيه ، وأتم نعمته عليهم بالإيذان بإزالة الأصنام عنه ، فعل الله تعالى ذلك لتتم الهداية كما أرسل رسولا منهم ، ولذا قال تعالى:{ كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا} وفي هذا إجابة لدعوة إبراهيم عليه السلام ، إذ قال تعالى في ذكر دعائه:{ ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم . . . 129} [ البقرة] فكما أجاب دعاءه عليه السلام بجعله بلدا آمنا وأن يكون مثابة للناس وأمنا أجاب دعاءه بإرسال رسول منهم يتلو عليهم آياته .
يمن الله تعالى على العرب بأن جعل فيهم رسولا منهم ليقول مانا عليهم بذلك كما من عليهم بجعل القبلة إلى الحرم الآمن الذي قدسوه وكرموه ، فالرسول صلى الله عليه وسلم أرسل فيهم وهو منهم ، كما قال تعالى:{ لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم 128} [ التوبة] .
فهو فيهم ومنهم ، وهو أكثر تأليفا لقلوبهم . ورعاية لنفوسهم وهو الحق من ربهم كما قال تعالى:{ لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم . . . 164} [ آل عمران] .
وتلاوة الآيات التي جاءت في قوله:{ كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم} ، تلاوة الآيات هنا أي القرآن بقراءته في ترتيل وفهم ، وإدراك لمعانيه ، وإجابة لأمره ، واعتبارا بقصصه ، وذلك عبادة{ ويعلمكم الكتاب} أي تعليمهم علم القرآن من بيان للصلاة والزكاة والحج والصوم وأحكام الأسرة ، وأحكام الحرب وما يحل فيها وما يحرم ، وعلاقة الإنسان بالإنسان ، وآداب وأخلاق المسلم فهو مأدبة الله تعالى ، وهو سجل المعجزات التي جاء بها الرسل من عهد نوح إلى عيسى عليهم الصلاة والسلام .
والحكمة هي الشريعة ، وما فيها من إصلاح بين الناس ، وإقامة للعلاقة الإنسانية . وفسرها الشافعي بأنها السنة وقد بينها عند ذكر قوله تعالى:{ ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك . . . 129} [ البقرة] ، فارجع إليها .
{ ويزكيكم} أي يطهركم من أرجاس الجاهلية ومآثمها كوأد البنات وشرب الخمر ولعب الميسر بله عبادة الأوثان والأنصاب ، وينمي فيهم قوة الخلق والشكيمة ويوجهها نحو مكارم الأخلاق .
وقال الله تعالى:{ ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون} علمهم الله علما لم يكونوا يعلمونه من قبل ، علمهم علم النبوة ، وعلمهم علم البعث والنشور والقيامة والحساب ، وعلمهم علوما تنفعهم في الحياة الدنيا ، وتزودهم بالخير في الآخرة ، وعلمهم مكارم الأخلاق وعلمهم تنظيم الدولة ، وقيام حكم صالح يستظل في ظله البر والفاجر ، وعلمهم العدالة والامتناع عن الظلم . . وأخيرا علمهم علم الإسلام ، وقد جمعه تعالى في قوله جلت حكمته:{ إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون 90} [ النحل] وجعل منهم دولة الإسلام الفاضلة التي لم تر الإنسانية لها نظيرا من يوم أن خلق السماوات والأرض .