] إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّه أُوْلئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللّه[ فهم يرجون رحمة اللّه التي لا تنال الكافرين البعيدين عن أجواء الإيمان .فإذا أخطأ هؤلاء المؤمنون في بعض ممارساتهم وكلماتهم ،فإنهم يرجونفي عمق إيمانهمأن يرحمهم اللّه ،ويغفر لهم ذنوبهم ،ويدخلهم جنّات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ،انطلاقاً من إيمانهم بالحقيقة الإلهية] وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ[.
الإيمان قيمة كبرى:
4إنَّ قضية الإيمان والكفر هي قضية الحياة الواسعة بكلّ امتدادها وعمقها ،فلا يمكن للإنسان أن يتسامح بها ،أو يعيش أجواء اللامبالاة معها ،أو يعتمد على عمل صالح بعيدٍ عن خطّ الإيمان ؛كما يفعله البعض ممن ينطلقون في تقييم الأعمال من موقعها الذاتي لا من موقعها الإيماني ،فيتحرّكون على أساس اعتبار الإيمان شيئاً غير ذي قيمة كبيرة ؛وقد يدفعهم ذلك إلى تفضيل الكافرين على المؤمنين لبعض الأعمال الصالحة عند أولئك ،ولبعض الأعمال السيئة عند هؤلاء ،مع أنَّ القضية لا تسير في هذا الاتجاه إسلامياًكما توحيه الآية.
لا بُدَّ من دراسة إيحاءات الأسلوب الذي واجه به المشركون من قريش قتال المسلمين لبعض المشركين في الشهر الحرام ،بالدعاية المضادة التي حاولوا فيها تشويه صورة المسلمين بأنهم لا يرعون للمقدسات حرمةً ،فيسفكون الدم الحرام ،وينتهكون حرمة الشهر الحرام بالعدوان على النّاس بأخذ الأموال وأسر الرجال ونحو ذلك .
فقد نلاحظ أنَّ أعداء اللّه من الكافرين والمستكبرين يعملون على الاستفادة من بعض الأخطاء التي يقع فيها المسلمون من خلال الغفلة ،أو الظرف الضاغط عليهم الذي يفرض عليهم الوقوع في الخطأ ،أو الاجتهاد الحركي في النظرة إلى الواقع في مواجهة القوى الطاغية التي تصادر حرياتهم ،وتضعف مواقعهم ،وتهدّد وجودهم ومصالحهم ومواقعهم ،وتعمل على أن تحشرهم في الزاوية الحرجة ،فيلجأون إلى تجاوز الأساليب المألوفة في الصراع إلى أساليب أخرى لا تمثّل قيمة أخلاقية في المطلق ،ولكنَّها تمثّل قيمة أخلاقية في الحالة الطارئةفي الخطّ العامباعتبار أنَّ التخفف من خطر الضغط الكافر أو الاستكباري لا يمكن الوصول إليه إلاَّ بهذه الطريقة .
وهنا يقف الإعلام الكافر أو المستكبر ليثير حرباً إعلامية شعواء على الإسلام والمسلمين ،على أساس إلصاق تهمة الإرهاب الوحشية والإساءة إلى حقوق الإنسان ،وليخفي كلّ الظروف التي فرضت عليهم ذلك ،ما يمثّل تبريراً في الواقع الإنساني في العام ،لأنَّ القضيةعندهمأن يشوهوا الصورة العامة للإسلام والمسلمين ،بعيداً عمّا هي الحقيقة في طبيعة الملامح الحقيقية لحركة الصورة في الواقع .
إنهم يقيمون الدنيا ويقعدونها باسم الدفاع عن الحرمات والمقدسات ،وذلك في دائرة حرماتهم ومقدساتهم ،ولا يسمحون لأحد بالحديث عن انتهاكهم لحرمات المستضعفينمن المسلمين وغيرهمبل يحاولون تبريرها بعنوان الدفاع عن الحضارة والإنسان ،لأنهم يرون أنهم وحدهم أصحاب الحقّ الحضاري في الوجود ،أمّا الآخرون فهم الهوامش التي لا ضرورة لها في أكثر الحالات إلاَّ بالمقدار الذي يحفظ حياتهم .
إنَّ علينا أن نستوحي من الآية الكريمة الثقة بالموقف ،والابتعاد عن كلّ الحرب النفسية التي يشنّونها علينا باسم القيم الإنسانية الكبرى ؛بل أن نواجه ذلك بكلّ قوّة ،انطلاقاً من وعي الأسس التي يرتكز عليها العاملون في سبيل اللّه في خطّ المواجهة والوقوف عندها ،في دراسة دقيقة للسلبيات والإيجابيات ،والاقتصار بها على ظروفها الخاصة ،لنؤكد للجميع أنَّ الإسلام لا يريد للعدوان أن يأخذ حريته في الاعتداء على النّاس من دون أن يقفوا بقوّة للردّ عليه ،ويطوّروا أساليبهم في هذا الاتجاه ،فلا يقتصروا على وسيلة واحدة ،بل يمكن لهم أن يستوحوا الشرع في تنويع الوسائل ،حتى التي لا تملك شرعية في ذاتها ،ولكنَّها تملكها بلحاظ حالات الطوارىء الضاغطة .فإنَّ الإسلام يؤكد القيمة ما دامت في مصلحة الإنسان .فإذا تحوّلت إلى خطر عليه ،أسقطها وجعل القيمة في الاتجاه الآخر .
ولا بُدَّ للعاملين في الدعوة إلى اللّه في دائرة الإعلام السياسي والثقافي من توعية المسلمين ،لا سيما البسطاء والساذجين منهم ،حتى لا يقعوا في قبضة الإعلام الاستكباري باستثارة القيم الروحية والأخلاقية الإنسانية في وجدان المسلمين ،ليقفوا ضدّ إخوانهم المجاهدين عندما يقومون ببعض الأعمال التي ينطلقون بها في خطّ الشرعية على أساس فهمهم للواقع ،فيتهمونهم بانحرافهم عن الإسلام ،كما يحدث ذلك في مرحلتنا الحاضرة ،التي يعيش فيها المسلمون الحركيون في صراع دائم مع القوى الاستكبارية في الداخل والخارج ،ويعيشون الضغوط الهائلة التي تضغط على حرياتهم وحركتهم لمنعهم من أن يؤكدوا القوّة الإسلامية التي تجعل الإسلام قاعدة للفكر والعاطفة والحياة ،من دون أن يفهم المسلمون خلفيات هذه الأعمال ،لأنَّ الإعلام المستكبر هو الذي يتولى مهمة توزيع الاتهامات وإصدار الأحكام .
إنَّ من واجب القائمين على شؤون الدعوة الإسلامية أن يقوموا بتثقيف المسلمين بالحدود الفاصلة بين الحالات الطبيعية ،في العناوين الأولية في الأحكام الشرعية ،والحالات الاستثنائية الصعبة في عناوينها الثانوية التي قد تحلل ما كان محرّماً ،وقد تحرّم ما كان حلالاً ،فإنَّ التوعية الإسلامية الثقافية قد تفوّت على المستكبرين والكافرين كلّ الفرص التي يستغلونها للإضرار بالإسلام والمسلمين ،بينما يتحرّك الجهل ،والسذاجة ،والخواء الثقافي ،ليمنحهم أكبر فرصة للوصول إلى أهدافهم الشيطانية الاستكبارية .