{عَزْماً}: العزم: القصد الجازم إلى الشيء .
ويعود القرآن إلى حديث الإنسان الأوّلآدممراراً ،للإيحاء بالضعف الإنساني الذي يعرّضه للسقوط أمام تجربة الإغراء ،حتى يخيّل إليه أنه يمثل الفرصة السانحة السريعة التي إذا لم يستفد منها وينتهزها فإنه يتعرّض للحرمان الأبدي .ولذلك فإنه يبادر إلى انتهازها مدفوعاً بهذا التصور الوهمي ،ثم يكتشفبعد الوقوع في المشكلةبأن المسألة ليست بهذه السهولة ،وأن النتائج الإيجابية الموعودة ليست بهذا الحجم ،فقد كان بإمكانه أن يصبر ويحصل على نتائج جيّدة أفضل ،وأكثر دواماً وثباتاً .ثم يطل القرآن دائماً على إبليس باعتباره المظهر الحيّ للانحراف في ما يزينه للإنسان ويوسوس له ،ويثير فيه المشاعر الشهوانية التي تنحرف به عن الصراط المستقيم ،ليستذكر الإنسان دائماً بأن الشيطان أخرج أباه من الجنة .وقد كان من الممكن ،بحسب طبيعة الأشياء ،أن يستمر فيها مع أولاده ،لولا ثأر الشيطان لطبيعته أمام النشأة الإنسانية الأولى .
ومن الطبيعي أن مثل هذا الجو القصصي الإيحائي لا بد أن يتحرك في رسم الخطوط العامة لموازين الثواب والعقاب .
دروس من قصة آدم ( ع )
{وَلَقَدْ عَهِدْنَآ إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ} وأوصيناه وحذّرناه مما قد يواجهه من تجربة الانحراف جرّاء تسويلات إبليس الذي يحمل له أكثر من عقدةٍ منذ أن عصى إبليس أمر الله بالسجود لآدم ،في الوقت الذي لم يحمل له آدم أيّ شعور مضادّ ،ولكن آدم لم يتعمّق في وعي الموضوع ،ولم يأخذ الأمر مأخذ الجدية والاهتمام ،وبقي مستمراً ببراءته العفويّة والبساطة الصافية في مواجهته للأشياء ،{فَنَسِىَ} ما ذكرناه به ،فترك الامتثال للنصيحة الإلهية التي لم تكن أمراً تشريعياً يستتبع عقاباً جزائياً ،بل كان أمراً إرشادياً يتحرك من المنطق الطبيعي للأمور في ما ترتبط به النتائج بمقدماتها ،{وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً} بما يعنيه العزم ،من التصميم على التنفيذ ،وتحريك الإرادة في حسم الموقف بقوّة ،لأنه كان يعيش الضعف البشري أمام الحرمان ،والتجربة الضيّقة أمام الآفاق الرحبة للمستقبل القريب أو البعيد .
ولسنا الآن في مجال الحديث عن حكاية عصمة آدم ليتحدث المتحدثون أن هذا الموقف كان قبل النبوّة ،فلا يثير مشكلةً في هذا الجانب ،أو ليقول البعض بأن الأمر ليس مولوياً لتكون مخالفته عصياناً تكليفياً ،بل هو أمر إرشادي يشبه النصيحة ،فلا يترك أي أثر سلبي على مستوى الالتزام بالشريعة ،بل نحن هنا في مجال التأكيد على أن الأسلوب القرآني لا يريد أن يعمِّق في ذهننا الإسلامي الفكرة التي تتحدث عن شخصية الأنبياء بالمستوى الذي يوحي بأن هناك أسراراً فوق العادة تكمن في داخل شخصيتهم ،في ما هي الخصائص الذاتية للشخصية .فهناك أكثر من نقطة ضعف خاضعة للتكوين الإنساني في طبيعة الروح والجسد ،ويمكن أن تتحرك لتصنع أكثر من وضعٍ سلبيٍّ على مستوى التصوُّر والممارسة .