... وانتقل موسى بقومه إلى شاطىء الحرية والأمان ،وهلك فرعون وجنوده .ولكن ،هل استوعب بنو إسرائيل أجواء الرسالة الروحية التي تنفتح بهم على الله ؟وهل وعوا كيف استطاعت حركة موسى الرسالية أن تحررهم من عبودية الإنسان ،لتنقلهم إلى عبودية الله في ما توحي إليهم بالحرية أمام الكون كله ؟ربما كانت مسألة استيعاب الرسالة ،ووعي المعنى العميق للحرية ،يحتاج إلى الكثير الكثير من الجهد والمعاناة والوقت الطويل .وهذا ما نحاول أن نستوحي بعضه من هذا الفصل المثير ،في قصة موسى ،من هذه السورة .
{يا بَنِى إِسْرَائيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُمْ مِّنْ عَدُوِّكُمْ} الذي استعبدكم واضطهدكم وفرض عليكم نفسه من موقع الربوبية ،وسخّركم لمطامعه ،فكنتم قاعدة ملكه وجبروته ،وذبح أطفالكم واستباح نساءكم ،وعشتم زمناً طويلاً معه ،من دون أن تحلموا بالحرية الإنسانية التي تحترمون فيها إنسانيتكم ،فلم تفكروا بالثورة عليه ،لأنكم كنتم تعيشون الانسحاق الروحي أمامه .وأرسلنا لكم موسى برسالتنا ،فواجهه بها ،وأيّدناه بنصرنا حتى انتصر عليه ،وجاء بكم من مواقع العبودية إلى ساحات الحرية ،وأرجعنا لكم إنسانيتكم المسلوبة ،{وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الأيْمَنَ} الذي واعد الله به موسى لينزل عليه التوراة التي فيها شريعة الله التي تصلح لكم شؤونكم وتنظم لكم حياتكم ،وتقودكم إلى واحة الرسالة الإلهية ،{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى} الذي فيه الغذاء الشهي ،لتبدأوا حياة جديدة في رعاية الله وعنايته ،وفي شعور غامر بالكرامة الإنسانية التي تربطكم بالأصالة وتسير بكم على هدى الخط المستقيم في الحياة .