{وَلُوطاً آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً} من أجل أن يفتح عقول أبناء المجتمع وقلوبهم على الله وعلى الحياة ،ويقودهم إلى السلام في الأمور التي يتنازعون فيها ،أو التي يختلفون عليها ،وذلك من خلال حكمه الذي ينفذ إلى عمق المشاكل ليحللها فيفهم كل خصوصياتها ،وذلك أن النبوّة هي إلى جانب أنها حالةٌ رساليةٌ فكريةٌ ،هي حالة قيادية حركية تنفيذية تصل إلى الواقع النظري بالعقل العملي .
إلا أن لوطاً العالم الحاكم الحكيم عاش حياةً صعبةً بين قوم لا يفهمونه ولا يعرفون تطلعاته وأهدافه ،ولا ينفذونفي وعيهمإلى الجانب العميق من تعاليمه ،وإلى الأفق الواسع من حكمته ،بل كانوا مستسلمين لشهواتهم الجسدية ،فقد كانوا يعملون الخبائث ويثيرون المشاكل في وجهه ،ويتعرّضون لكل الناس القادمين إليه ليعتدوا عليهم بالعمل السيىء ؛وقد عمل لوط على هدايتهم ،وصبر عليهم كأشد ما يصبر نبيّ على قومه حتى استنفد تجاربه كلها ،إلا أن ذلك كله لم يؤد إلى نتيجة إيجابية في حساب الإيمان ؛فكان مثله مثل العالم الحكيم الصابر الثابت في موقفه ،المتمرد على كل نقاط الضعف في الموقف فلا يكلّ ولا يملّ ولا ييأس ،خلافاً للعلماء الذين ينظرون إلى المسؤولية من خلال مزاجهم ،فلا يرتاحون للمصاعب التي تواجههم ،ويتعقدون من الكلمات التي يسمعونها ،والتحديات التي يواجهونها ،فيسقطون أمام ذلك كله ويتراجعون عن الرسالة ،في موقف ضعف وهروب ،فينسون الآفاق الواسعة التي تتيح لهم الحركة للوصول إلى الهدف المنشود .
{وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَت تَّعْمَلُ الْخَبَائِثَ} والمقصود أهل تلك القرية{إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ} فلا يستحقون رحمة الله ،التي عرضها عليهم فرفضوها ،لأنها ترتكز على الإيمان والعمل الصالح في موقف العباد من الله .أما لوط فقد فتح كل قلبه لله ،وجعل كل حياته بكل إمكاناتها في خدمته ،فمنحه الله بذلك كل خير ورحمة ،