قوله تعالى:{وَلُوطاً آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَت تَّعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِين َ74} .
قوله{وَلُوطاً} منصوب بفعل مضمر وجوباً يفسر{أتَيْنَاهُ} كما قال في الخلاصة:
فالسابق انصبه بفعل أمضرا *** حتماً موافق لما قد أظهرا
قال القرطبي في تفسير هذه الآية: الحكم: النبوة .والعلم: المعرفة بأمر الدين ،وما يقع به الحكم بين الخصوم .وقيل: علماً فهماً .وقال الزمخشري: حكماً: حكمة ،وهو ما يجب فعله ،أو فصلاً بين الخصوم ،وقيل: هو النبوة .
قال مقيده عفا الله عنه: أصل الحكم في اللغة: المنع كما هو معروف .فمعنى الآيات: أن الله آتاه من النبوة والعلم ما يمنع أقواله وأفعاله من أن يعتريها الخلل .والقرية التي كانت تعمل الخبائث: هي سدوم وأعمالها ،والخبائث التي كانت تعملها جاءت موضحة في آيات من كتاب الله:{مِنْهَا} اللواط ،وأنهم هم أول من فعله من الناس ،كما قال تعالى{أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بها مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ 80} ،وقال{أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ 165 وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ 166} .ومن الخبائث المذكورة إتيانهم المنكر في ناديهم ،وقطعهم الطريق ،كما قال تعالى:{أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ في نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ} الآية .ومن أعظم خبائثهم: تكذيب نبي الله لوط وتهديدهم له بالإخراج من الوطن .كما قال تعالى عنهم:{قَالُواْ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ 167} ،وقال تعالى:{فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُواْ آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ 56} إلى غير ذلك من الآيات .وقد بين الله في مواضع متعددة من كتابه: أنه أهلكهم فقلب بهم بلدهم ،وأمطر عليهم حجارة من سجيل ،كما قال تعالى:{فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ 74} والآيات بنحو ذلك كثيرة .والخبائث: جمع خبيثة ،وهي الفعلة السيئة كالكفر واللواط وما جرى مجرى ذلك .
وقوله{قَوْمَ سَوْء} أي أصحاب عمل سيئ ،ولهم عند الله جزاء يسوءهم: وقوله:{فَاسِقِينَ} أي خارجين عن طاعة الله .