في هذه الآية علاج لمفهوم اجتماعيّ طبقيّ يرتكز على أساس اعتبار الثروة عنصراً حيويّاً في إقامة العلاقات الزوجية بين الناس ،ما يجعل المجتمع يرفض الفقير أو الفقيرة اللذين يريدان الزواج مهما كانت درجة الكفاءة العلمية والروحية والأخلاقيَّة التي يتمتعان بها ،ويقبل في المقابل الغني حتى لو لم يكن لديه شيء من كفاءة العلم والروح والأخلاق .
{وانْكِحُواْ الأَيَامَى} غير المتزوجين{مِنْكُمْ} أي: من الأحرار{وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ} أي: العبيد المملوكين لكم المتميزين بالصلاح في سلوكهم العملي ،{وَإِمائِكُمْ} من النساء المملوكات الصالحات ،ولا تمتنعوا عن تزويجهم ،أو تسهيل أمور زواجهم بسبب فقرهم ،لأن الفقر ليس عيباً في الإنسان ،وليس صفة لازمة له ،بل هي حالة طارئة ناشئة من ظروف موضوعيةٍ خارجةٍ عنه ،وقد تتبدل الظروف والأحوال ،فينقلب الفقر إلى غنى ،بما يهيئه الله من أسباب الرزق ،لأن ذلك كله بيد الله ..
وعلى ضوء هذا ،فلا تتوقفوا عن تسهيل تزويجهم بل ادرسوا أخلاقهم ،واتركوا مسألة الفقر والغنى لله ،{إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ} بما يتفضل به على عباده{وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} فلا يضيق عنه شيء ،ولا يضيق بأيّ شيء ،ولا يخفى عليه شيء من أمور عباده ومن شؤون الحياة التي تحيط بهم ..وقد جاء الحديث الشريف عن رسول الله ( ص )أنه قال: «إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوّجوه فإن لم تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ..» ،ما يؤكد استحباب تزويج صاحب الخلق والدّين وإن كان فقيراً ،ويوحي بخطورة الاستغراق في الجانب المالي من شخصية الزوج ،لأن ذلك يؤدي إلى إفساد العلاقات الزوجية بإبعادها عن العناصر الأساسية لإنجاحها وهي صفات الإنسان الذاتية .
وقد نستوحي من الآية تشجيع الفقير على الزواج دون أن يمنعه الفقر من ذلك ،فقد جاء عن أئمة أهل البيت ( ع ) أن رسول الله ( ص ) قال: «من ترك التزويج مخافة العيلة فقد أساء ظنه بالله عز وجل ،إن الله عز وجل يقول:{إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ} »