{أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُواْ وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَماً * خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً} .لعل كلمة الغرفة واردةٌ على سبيل الكناية عن الدرجة العالية في الجنة ،والمقصود بالصبر الذي يبلغ به هؤلاء علوّ الدرجة في الجنة ،الصبر على طاعة الله ،والصبر عن معصيته ،والصبر على ما يصيبهم من البلاء ،لأن ذلك يدل على الالتزام العميق ،والروحية العالية ،والإِرادة الصلبة ،والوعي العميق ،والارتباط بالله من أوثق المواقع ،ليكون لهم السعادة في الحصول على رضاه ،في مواجهة غضب كل الناس مع كل ضغوط الحرمان المادية والنفسية والمعنوية على حياتهم .وهكذا تؤكد هذه الآية وغيرها من الآيات أن الصبر يمثل الإطار للمضمون الإيمانيّ في حياة الناس الذي يحتوي كل مواقع الحياة الرسالية ومواقفها .فبالصبر يحصل الفلاح ،وبالصبر يتأكد الخير والحق والصلاح ،وبالصبر ينال الناس ما عند الله من النعيم والسعادة والرضوان في الجنة ..ويلقّون فيها التحية من الله ،والسلام من ملائكته ،في ما يعبر عنه من اللطف والرعاية والرحمة والحنان .
وهكذا نرى أن عباد الرحمن الذين يختصهم الله برحمته ،ويدعوهم إلى جنته ،ويشملهم برضوانه ،هم الذين تتجسد فيهم ملامح الشخصية الإسلامية في الإيمان بالله الواحد واليوم الآخر ،وفي التجسيد العملي في التزام طاعة الله في أمره ونهيه ،وتطلّعهم إلى السموّ الروحي في آفاقه ،والارتفاع المتحرك في طريقه ،وفي الاندماج بالمجتمع الذي يلتقي على كلمته .
وإذا كان الله قد تحدث عن بعض صفات هؤلاء الفتية من عباد الرحمن المخلصين ،فإن الحديث يطرح هذه الأمور كنماذج للصفات الإيجابية والسلبية التي تمتد في كل أحكام الله في ما تمثله من قاعدةٍ أخلاقيةٍ متحركةٍ في مفرداتها العملية في حياة الإنسان ،فإن الله يريد له أن يتخلق بأخلاقه ويلتزم بكل أحكامه ويجعل كل حياته صورةً حيةً لما هو الإسلام ،ولما هو الإيمان في مفاهيمه العقيدية والروحية والعملية .