{أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرائيلَ} لأن الله أراد أن يخرجهم من استضعافهم الذي فرضته عليهم ،لتدعم ملكك باستغلال قوتهم التي تحركها في خدمتك وخدمة مشاريعك لتكون أنت القويّ من خلال قوتهم ،ثم لترتد عليهم لتستضعفهم على هذا الأساس ،بما توحي إليهم بالأسرار المقدّسة التي تختزنها شخصيتك بالطاعة المطلقة التي يفرضها موقعك ،وبما تخنق به وعيهم بأضاليلك كما يفعل الطغاة من أمثالك في تضليل الشعوب وتجهيلهم من أجل أن يكون ذلك سبيلاً للسيطرة عليهم ،فيستسلمون لك باعتبار أنك وليّ النعمة ،في الوقت الذي يكونون فيه هم أولياء نعمتك ،في ما أعطوك من ثروةٍ وقوةٍ وسيطرة .
ولكن ،لا بد من أن نضع حدّاً لذلك ،لأن المستضعفين لا بد من أن يأخذوا بأسباب الوعي ويتخلصوا من مواقع التخلف ويفهموا طبيعة الظروف المحيطة بهم ،والقدرات التي يملكونها ،ليعرفوا ماذا يريدون ،وماذا يُراد بهم وما هي حقوقهم ،وما هي مسؤولياتهم ،ليتحركوا من مواقع الحرية .ولن يستطيعوا الوصول إلى هذا المستوى من الوعي والمسؤولية والحركة إلاَّ إذا خرجوا من هذه الأجواء وتخلصوا من هذه الظروف واستبدلوا بها أجواءً جديدةً وظروفاً مميّزة حتى يتنفسوا الهواء الطلق البعيد عن الوباء والعفونة ،الذي يغتسل بشروق الشمس من جميع جوانبه ،فتنفذ إليه ليتعرفوا معنى الحرية في حركته .ولذلك ،فإن المطلوب هو أن ترسلهم معنا ،لأننا سوف نفتح عيونهم على الحياة من خلال الله ورسالته ،ليكونوا جيل الدعوة إلى الله ،والعمل في سبيله ،والمدافعين عن قضية العدل في الكون ،في مواجهة مسألة الظلم في ساحات الظالمين ،لأن الذين عاشوا تجربة الظلم ،هم من أكثر الناس معرفة بالبشاعة التي تتمثل بالظلم ،وبالجمال الرائع الذي يتحرك في شخصية العدل .
وقد نلاحظ أنه كيف يكون الطلب الذي يقدمه رسول رب العالمين هو إرسال بني إسرائيل معه لا الرسالة الموجهة إلى فرعون وقومه ؟ولكن هذه الملاحظة تزول إذا عرفنا أن ذلك هو الأسلوب الذي يراد به الإِيحاء بالقوة ،ليكون المدخل للحديث عن رب العالمين وعن معنى التوحيد ،وعن الرسالة التي تتحرك في حياة العالمين جميعاً ،في مفاهيمها وشرائعها ،كما سنجده في ما نستقبله من آيات ومما قدمناه في ما سبق منها .
ماذا نستوحي من هذا الأسلوب ؟
وقد نستطيع أن نستوحي من هذا الأسلوب ،كيف يمكن للداعية أن يبحث عن المدخل للحديث عن الفكرة ،وتوجيه الحوار إليها ،من خلال المفردات الواقعية المثيرة للاهتمام التي تدعو إلى إثارة كثيرٍ من علامات الاستفهام حول الركائز التي ترتكز عليها هذه الأمور ،وإلى الدخول في جدلٍ حولها ،في ما تمثله من مشاكل الساحة ،أو الناس الذين يعيشون فيها .فقد لا يكون من الضروريدائماًأن نثير القضايا بشكل مباشر ،إذ ربما كان التفكير العام غير معنيٍّ بها في الأساس لعدم وجود ظروف ملائمة لذلك من ناحيةٍ نفسيةٍ وعمليةٍ ،ما يجعل من البحث عن موضوعٍ مثيرٍ ،أمراً يحرّك الحديث عن أكثر الأمور اهتماماً وحساسيةً وواقعيةً .