{وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الاَْوَّلِينَ} أي صحف الأولين التي أنزلت على الأنبياء من قبلك ،فقد اشتمل على كثير من التعاليم والوصايا والقصص التي أرادها الله منهجاً للأمم السابقة ،كما أرادها جزءاً من خطّة متكاملة للناس الآن .وبذلك كان القرآن مصدّقاً لما بين يديه من الكتب ،وخاتمة لحركة الرسالات الإِلهية ،يختصر كل مفاهيمها الأصلية في مفهوم جامع ،ويدفع بالمفاهيم الجديدة للمستقبل ،ما يوحي بأنه الحق الذي لا ريب فيه لمن يؤمن بالكتب المنزلة السابقة .
وقد اعترض صاحب الميزان على هذا الوجه في التفسير ،بأن «المشركين ما كانوا يؤمنون بالأنبياء وكتبهم حتى يحتج عليهم بما فيها من التوحيد والمعاد وغيرهما ،وهذا بخلاف ذكر خبر القرآن ونزوله على النبي( ص ) في كتب الأولين ،فإنه حينئذ يكون ملحمة تضطر النفوس إلى قبولها » .
ولكن الظاهر أن المشركين كانوا يعيشونمن الناحية الثقافيةفي أجواء الكتب المنزلة السابقة ،لا سيما ما يتصل بإبراهيم وموسى وعيسى( ع ) ،ما يوحي بوجود نوع من الاحترام والتعظيم لها والإيمان بها من ناحيةٍ عامة .ولو تم ما ذكره من الملاحظة في عدم الإيمان بالكتب وبالأنبياء ،لكان ردّاً على الوجه الذي ذكره من دون أن تكون طبيعته الملحمية موجبةً لقبوله ،لأن بإمكانهم مناقشة الأمر كله ،كما يناقشون بالكتب نفسها ،هذا أوّلاً .
وثانياً ،إن القرآن لم يتحدثعلى الظاهربأن الإشارة إليه مذكورة في الكتب السابقة ،بل كل ما هناك أن اسم النبي محمد( ص ) كان مذكوراً على لسان الأنبياء السابقين ،إلاَّ إذا كان ذكره( ص ) لازماً لذكر القرآن ،بينما تعدد الحديث في القرآن ،أنه مصدق لما بين يديه من الكتب ،وأن ما تضمنه من بعض المعارف مذكور في صحف إبراهيم وموسى( ع ) ،والله العالم .