{وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَليَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِى إِسْرَائيلَ} وجعلتهم عبيداً تستخدمهم في سبيل تثبيت ملكك وتقوية سلطانك ،وتقهر إنسانيتهم بمصادرة حريتهم ليتحولوا إلى أدواتٍ مقهورةٍ لتلبية رغباتك وتحقيق مرادك ،في ما تحبه وما لا تحبه .
وقد يتساءل الإنسان: كيف يتحدث موسى عن شيءٍ لم يسبق الحديث عنه في حواره مع فرعون ؟وقد يجاب عن ذلك بأن تذكيره بأنه كان قد تربى في بيته ،يحمل بعض الإِيحاء بأنه جزءٌ من هؤلاء القوم الذين يتقلبون في نعمته ويخضعون لسلطانه ،تماماً كما هو متاع البيت وأثاثه .ثم حديثه عن كفره للنعمة ،نوع من التذكير بالنعم التي كان يغدقها على قومه وعليه .ويمكن أن يكون الحديث بهذا الأسلوب منطلقاً من كلام لم ينقله القرآن ،مما جرى التداول عليه ،ليكون الجواب دليلاً على ذلك .
منطق الأنبياء أمام منطق الطغاة
وقد نجد في هذه الكلمة القوية الحاسمة المتحدية ،الرد على الروح المتعالية التي يحملها الطغاة في نظرتهم إلى ما يقدمونه لشعوبهم من موارد استهلاكية وحاجاتٍ معيشية ،في دائرة الحصار الذي يطبق على حريتهم في ما يريدونه للشعوب أن تتحول إلى أدواتٍ صمّاء عمياء لأطماعهم وأغراضهم ،وللوصول إلى غاياتهم الظالمة .وهنا تأتي الكلمة الرسالية لتقول لهؤلاء إن مسألة الحرية هي أغلى من كل المتع والمنافع التي يقدمها السادة للعبيد ،لأن الحرية تعني الارتفاع بالإنسانية إلى المستوى الأعلى في رحاب الحياة ،بينما العبودية تعني الانحطاط بإنسانية الإنسان إلى أسفل دركات الحياة .ولهذا فإنهم يرفضون الشبع مع العبودية ويفضلون الجوع مع الحرية على ذلك كله .إنها كلمة ثورة الحرية المنطلقة من روح القيادة الرسالية في مواجهة الظلم والطغيان .