{تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} من هؤلاء الذين جعلوا الكذب المتعدد الألوان ،المتنوّع الأوضاع ،المتحرك في كل المواقع القلقة الخاضعة للاهتزاز ،وأولئك الذين يمارسون الجرائم والمعاصي التي تغرق في أوحال الإثم ،فلا تصدر منهم إلا الخيالات المريضة والأكاذيب الخبيثة والحكايات السخيفة التي لا تفتح العقل على حجة ،ولا تملأ القلب بالحقيقة .
أمّا هذا الرسول الذي يأتي بالقرآن في حقائقه الفكرية والعملية التي تنظم الحياة على أساس الحق ،وتحرّك النظام في طريق العدل ،وتثبّت الإنسان على القاعدة الضاربة العمق في أعماق الوجود ،فلا يفسح المجال للعبث ،ولا يحرّك الخطى في مواقع الاهتزاز ،ولا يسمح للوهم أن يقترب من ساحة الحق ،ولا للظلام أن ينفذ إلى مشارق النور .
أمّا هذا الرسول ،في ما يأتي به من الوحي ،فلا يمكن أن يكون صاحب الشياطين في وحيه وفي حركته الرسالية ،بل لا بد من أن يكون الإنسان الذي ينفتح على الله لينزل عليه وحيه في صفاء النور وطهارة الينابيع .
إن المسألة لا تحتمل جدالاً ومناقشة ،لأنها مسألة الوضوح في المقارنة بين ما هو الكذب والصدق ،وما هو الحق والباطل ،وما هو وحي الله ووحي الشيطان الذي يريد جنده أن يمنحوا حديثهم بعض مواقع القداسة ،فيزعمون أنهم يستمدونه مما يسمعونه من أخبار السماء ،في ما يوحون به إلى أتباعهم بأنهم يملكون الوصول إلى مواقع التنصت على ما يدور في السماء من أخبار الأرض والإنسان ،ولكنهم لا يرتكزون على أساس ثابتٍ