{وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} لأنهم لا يستحقون مثل هذه العاطفة النبوية الطاهرة التي تنطلق من المواقع الإنسانية الصافية ،في ما تتحرك به مشاعر النبوة من الألم والحزن على الذين يلقون بأنفسهم في التهلكة ويعرّضونها للضلال في الدنيا ،والعذاب في الآخرة .فهؤلاء الذين فتح لهم الله كل فرص الهداية ،فأهملوها وواجهوها بالهروب والتمرّد واللاّمبالاة ،ووجّه إليهم ألطاف رحمته ،وفتح لهم أبوابها ،فأغلقوها على أنفسهم ،ورفضوها بكل عناد وإصرار ،كيف يستحقون المشاعر الإنسانية والنبوية الطاهرة التي تمردوا عليها .
{وَلاَ تَكُن فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ} ويدبّرون في الخفاء من وسائل المواجهة للدعوة ،والرفض للرسالة والرسول ،بل لا بد من أن تتقبل ذلك بشكلٍ طبيعيّ ،باعتبار أنه من طبيعة الأشياء التي تفرضها ساحة الصراع في ما تنطلق به الرسالات التي تريد أن تغيّر الواقع على أساس مفاهيمها ،فتهاجم كل أشكال الشر والكفر والفساد ،بالمضمون الفكري تارة ،وبالحركة القوية أخرى ،وبالأسلوب المتحرك المتنوع في أخلاقيته ومرونته وواقعيته ثالثة ،ما يشكل خطراً على مواقع النفوذ في ساحة الأمر الواقع ،فتتحرك للدفاع عن نفسها بالتعسف والقهر والقتال ،وبالتخطيط العملي الذي يعمل على إرباك حركة الرسالة والرسول في مجالات الدعوة والتغيير .
وفي ضوء ذلك ،لا بد من مواجهة المسألة بطريقةٍ هادئةٍ واعيةٍ لا تخضع للانفعالات التي يضيق بها الصدر ،وتتعقد فيها المشاعر ،بل تتحرك للتخطيط المضاد ،والحركة المضادّة ،من أجل إكمال المسيرة في خط الأساليب الواقعية التي تغيّر الواقع بأدوات الواقع ،لا بالانفعال .