{وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ} أي أنزلنا عليهم القرآنوهو القول الإِلهيموصولاً بعضه ببعض ،متتابعاً لا انقطاع فيه ،في تواصلٍ زمنيٍّ فكريٍّ بين الآية والآية ،وبين السورة والسورة ،في مضمون فكريٍّ روحيٍّ ينفذ إلى عمق العقل والحسّ والحياة ،ويخاطب كل اهتماماتهم الفردية والاجتماعية ،في ما يحبونه ويكرهونه ويحذرونه من مستوى حاضرهم ومستقبلهم ،{لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} فلا يندفعون في عملٍ لا يعرفون صلاحه ،ولا ينطقون بكلمةٍ لا يعرفون صدقها ،أو ينطلقون في علاقةٍ لا يعرفون شرعيَّتها على أساسٍ من غفلتهم عن ذلك كله .فإن مشكلة الانحراف الإنساني في كثيرٍ من مظاهره ،هي مشكلة الغفلة التي تحجب وضوح الرؤية في كثير من الأشياء ،ما يؤدّي إلى الاستغراق في الشهوات والنوازع الذاتية ،من دون التفاتٍ إلى النتائج السلبية المترتبة عليها على صعيد قضايا الدنيا والآخرة .
ولذلك كان الاهتمام القرآني باللمسات الروحية والفكرية التي تلامس العقل والروح والشعور ،لتفتحها على الله من أوسع الآفاق .ولكن بعض الناس لا يواجهون القرآن بالاهتمام الجدّي ،بل يواجهونه باللامبالاة في قراءته ،وفي تدبّر معانيه ،وفي استلهام وحيه في قضايا الحياة كلها ،فيكفرون به ،وبحقائق العقيدة والشريعة فيه ،بينما نجد بعض الناس يؤمنون به من موقع الوعي المنفتح على كل كلمات الحقيقة فيهوكلُّ كلماته حقيقةٌ،كما نجد ذلك في بعض مؤمني أهل الكتاب الذين لم يرتبطوا بالكتاب من موقع الانتماء القائم على العصبية ،بل من موقع الإيمان القائم على الاقتناع بالمضمون الروحي بالوحي النازل من الله ،وعلى الالتزام العملي به في حياتهم الخاصة والعامة ،ما يجعلهم ينطلقون بشخصيةٍ أخلاقيةٍ متينةٍ لا تهتز للانفعالات الطارئة ،بل تثبت للحقائق الثابتة ،فإذا رأوا داعيةً للحق ونذيراً بالوحي ،أقبلوا عليه ،ليستمعوا إليه بكل قلوبهم ،ليعرفوا طبيعة الصدق لديه ،ليتبعوه ،وليؤمنوا به .وهذا ما يريده الله للناس كلهم في مسألة الإيمان بالرسالات وبالرسل .