{فآمَنَ لَهُ لُوطٌ} ليكون داعية إلى الله ،ومرسلاً من قبله إلى قومه كما سيجيء في الآيات التالية .
هجرة إبراهيم إلى الله
{وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي} الظاهر من سياق الحديث أن القائل إبراهيم( ع ) ،ويؤيده موافقة ذلك مع الآية الكريمة في حكاية الله عن إبراهيم( ع ) في سورة الصافات:{وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ} ،[ الصافات:99] ،وقيل: إن الضمير راجع إلى لوط .
والهجرة إلى الله ،هي الخروج إلى الأرض الواسعة التي يملك فيها حرية الحركة في عبادة الله والدعوة إليه والعمل في سبيله ،بعيداً عن كل الضغوط التي تمنعه من ذلك ،وعن الحلقة المفرغة التي كان يدور فيها من غير جدوى في دائرة قومه .وربما كان في الإشارة إلى إيمان لوط به ،نوعٌ من الإيحاء بأنه لم يؤمن معه من قومه إلاّ لوط .
والهجرة إلى الله ،شعار إيمانيٌّ يحمله المسلم في قلبه ،ويحرّكه في حياته ،ليكون نقطة الانطلاق إلى الانفتاح على المواقع الجديدة التي يأمل فيها الحصول على القوّة عندما تحاصره القوى المضادة في نقاط ضعفه لتجمّده عن كل حركة ،ليستطيع من خلال ذلك العودة إلى الساحة من مركز قوّة ليحوّلها إلى ساحة إيمان ،أو العمل على توسعة آفاقه التي تقربه إلى الله وتقرّب الناس من الله ،لأن رسالته لا تقتصر على قومه بل تشمل كل الناس .
وهكذا رأينا أن هجرة إبراهيم إلى الله كانت السبب في بنائه للبيت ،ليكون مثابة للناس وأمناً ومسجداً للطائفين والقائمين والركع السجود ،وانطلاق الحنيفية إلى تلك المنطقة ،مما قد لا يحصل في بقاء إبراهيم في دائرة قومه .وقد نجد في إعلان ذلك لقومه إيحاءً لهم ،بأنه لن يضيع عندما يتركونه ،ولن يذلّ عندما يخذلونه ،بل سيجد عند ربه الهدى في حكمته ووحيه ،وسيحصل على العزّة في قوّته وجبروته ،وأنّ ربه ليس مجرد فكرةٍ تجريديةٍ يخلقها في داخل نفسه ،كما يخلقون أصنامهم من خلال أوهامهم ،بل هو حقيقة تهيمن على الكون كله ،وتدبّره وترعاه ،وترعى كل موجودٍ فيه ،وتؤمّن كل خائفٍ في حياته .ولن يستطيع أحدٌ أن يرعاه كما يرعاه ربه ،أو يحميه كما يحميه الله .ولذلك فإنه مهاجرٌ إليه ،بعد خذلان قومه له واضطهادهم له{إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} لا يذل من نصره ولا يضيع من حفظه .