{وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ} أي كرّمنا إبراهيم( ع ) ،بأن جعلنا النبوة تمتد في أبنائه إسحاق ويعقوب ،وذلك لما كان عليهعليه السلاممن تسليم قلبه لله تعالى ،ومن صبر على تحمل أعباء الرسالة ..ولما حمله أولاده في قلوبهم من إيمان ،وفي سلوكهم من التزام بأوامر الله ونواهيه ،بحيث استحقوا أن يكونوا موضعاً لكرامة الله بالنبوّة ،وإنزال الكتاب على أيديهم في ما أنزله الله على موسى وعيسى ومحمد( ص ) فيما بعد .
{وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا} في ما كرّمه الله به من كتبه المنزلة ،وفي تخليد السلام عليه وعلى آله في كل رسالاته ،ليكون ذلك ذكراً خالداً له في الناس ،ليذكروا روعة الإسلام لله في حياته ،وعظمة الجهاد في رسالته ،وصفاء التأمل في حركة فكره ،ووداعة المحبة في نقاء روحه ،{وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} الذين ينالون كرامة الله في رضوانه وجنته ،في المجتمع المتوازن الذي يعيشون في داخله روحية صلاحهم بعيداً عن الاختلاط بالمجتمع غير الصالح ،في ما كانوا يعانون فيه من ضغطٍ وخوفٍ واضطهاد .فها هم في الجنة ،مسرورون برضوان الله ،منفتحون على بعضهم البعض في خيرٍ ولطفٍ ومحبةٍ وأخوّةٍ ،لم يعرفوا طعمها الحلو في الدنيا كما يعرفونه الآن .
ثم إننا نلاحظ أن الله يوحي إلينا بالحديث عن الأنبياء في اعتبارهم في الآخرة من الصالحين ،أنّ مجتمع الصالحين في الجنة لا ينفصل فيه الأنبياء عن المؤمنين الصالحين ،لأنه يتحدث أيضاً في آية أخرى ،{وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ} [ العنكبوت:9] ،كما يوحي بأن الصلاح في الفكر والخط والعمل هو العنوان الذي يفتح للإنسان أبواب الجنة ،من خلال الرسالة التي يحملها ويبلغها ،أو يؤمن بها ويؤيدها ويجاهد في سبيلها ،وفي ذلك فليتنافس المتنافسون .