{أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} فهو الدليل على حقائق الإيمان ،في إعجازه الذي لم يستطع أحد أن يواجه تحديه ،ولو بالإتيان بسورةٍ من مثله ،وفي مناهجه التي تحترم العقل وتقود إلى التفكير ،وتتحرك في ضوء المنهج العقلي والتجريبي ،لتكون المعرفة هي الأساس في حركة العقيدة في داخل الشخصية ،سواءٌ في ذلك معرفة الله ومعرفة الرسول ومعرفة الإنسان في فكره وحياته وتشريعاته التي تتصل بالمبادىء العامة للحياة ،وبالجانب التفصيلي لكل مفرداتها الصغيرة والكبيرة ،في ما يوحي بالتوازن الدقيق في ما هي مصلحة الفرد والجماعة ،وحركة الروح والمادة ،في الخط الواقعي الذي لا يقترب من المثال ولكنه لا يلغيه من حساباته الروحية ،وفي أساليبه التي يحركها بالحكمة والجدال بالتي هي أحسن ،والدفع بالتي هي أحسن ،والانفتاح على روح الإنسان وعقله في حركة العلاقات في دائرة الصراع ،ثم هو قبل كل شيء وبعد كل شيء ،الروح الصافية العميقة المنفتحة التي ترى الله في كل شيء ،وتتعامل معه على أساس أنه كل شيء في الحياة ،فلا شيء إلا وهو خالقه ،ولا نعمة إلا وهي منه ،ولا حمد إلا وهو مستمد من حمده ،ولا إله إلا هو ،وهو أكبر من كل شيء ،وبذلك تتوحد العقيدة في وحدانيته ،وتتجه الحياة كلها إليه من موقع الوحدانية{إِنَّ فِى ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} الذين يعرفون قيمته في إصلاح نفوسهم وحياتهم في ما يفتح قلوبهم على الإيمان بربهم الذي يرحمهم في كل ما يؤدي بهم إلى الفلاح والنجاح ،أمَّا غير المؤمنين ،فإنهم لا يتقبلون الرحمة الإلهية ،بل يرفضونها برفضهم للإيمان بالله الذي يفتح أمامهم كل أبواب الخير في الدنيا والآخرة .