ثم قال تعالى مبينا كثرة جهلهم ، وسخافة عقلهم ، حيث طلبوا آيات تدلهم على صدق محمد فيما جاءهم [ به] - وقد جاءهم بالكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ، ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ، الذي هو أعظم من كل معجزة ، إذ عجزت الفصحاء والبلغاء عن معارضته ، بل عن معارضة عشر سور من مثله ، بل عن معارضة سورة منه - فقال تعالى:( أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم ) أي:أولم يكفهم آية أنا أنزلنا عليك هذا الكتاب العظيم ، الذي فيه خبر ما قبلهم ، ونبأ ما بعدهم ، وحكم ما بينهم ، وأنت رجل أمي لا تقرأ ولا تكتب ، ولم تخالط أحدا من أهل الكتاب ، فجئتهم بأخبار ما في الصحف الأولى ، ببيان الصواب مما اختلفوا فيه ، وبالحق الواضح البين الجلي ، كما قال تعالى:( أولم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل ) [ الشعراء:197] ، وقال تعالى:( وقالوا لولا يأتينا بآية من ربه أولم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى ) [ طه:133] .
وقال الإمام أحمد:حدثنا حجاج ، حدثنا ليث ، حدثني سعيد بن أبي سعيد ، عن أبيه عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"ما من الأنبياء من نبي إلا قد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر ، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة ". أخرجاه من حديث الليث .
وقال الله تعالى:( إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون ) أي:إن في هذا القرآن:( لرحمة ) أي:بيانا للحق ، وإزاحة للباطل و ) ذكرى ) بما فيه حلول النقمات ونزول العقاب بالمكذبين والعاصين ، ( لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون ) .