{وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ} لأن الجهاد يمثل حركة الإرادة في مواجهة النوازع المضادّة في الداخل في ما تشتمل عليه شخصية الإنسان من شهوات ورغبات ،وفي مواجهة القوى المنحرفة في الخارج ،في ما تحتويه الساحة من أعداء ومعتدين .وذلك من أجل خلق التوازن الداخلي في شخصية الإنسان المسلم بين خصائصه المادية وتطلعاته الروحية في ما يتطلبه الجسد من تلبية نداء الرغبة وإرواء ظمأ الشهوة ،وفي ما يتطلبه العقل والروح من تنظيم الحاجات ،وتحديد النزوات ،وذلك هو السبيل للحصول على طمأنينة النفس ،وسلامة الجسد ،واستقرار الحياة وسعادة المصير في رحاب الله ،مما يعود بالخير على نفسه .
وإذا أردنا أن ننظر إلى الجهاد الذي يعيشه المؤمن ضد كل عوامل الفتنة والإغراء والتهويل التي تريد إبعاده عن دينه وتحويله إلى مواقع الكفر ،فإننا سنجد في ذلك الخير كل الخير له ،لأن الثبات على الإيمان يمثل الثبات على قاعدة الخير في الحياة من خلال الخط المستقيم الواحد الذي يضم الحياة كلها في تصوّرٍ واحدٍ في كل مجالاتها العامة ،لتلتقي في بداياتها بالله ،وتنتهي في نهاياتها الخيّرة السعيدة إليه .
أمّا جهاد القوى المضادة التي تعمل على تأكيد سيطرة الظلم والشر والفساد ،وتتحرك للعدوان على البلاد والعباد ،وتحمل الكفر كعقيدة ،والبغي كمنهج حياة ،فإنه يحقق للحياة سلامها واستقرارها وتوازنها ،لينعكس ذلك على الإنسان خيراً وبركةً ومحبةً وسلاماً .
وعلى ضوء هذا ،كان الجهاد الإنساني في مواجهة عوامل الانحراف في نفسه وقوى الشر في حياته ،حاجةً إنسانيةً للاستقرار والطمأنينة ،يجلب فيها الإنسان الخير لنفسه ،وليس حاجة إِلهيّةً في ما قد يتخيله البعض من حاجة الله إلى عباده في ما يكلفهم به من شؤون الإيمان والعمل الصالح ،ليكون الأمر بالجهاد من بعض ذلك ،لأن الله لا يحتاج إلى أحد في أي شيء ،لقدرته على كل شيء{إِنَّ اللَّهَ لَغَنيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} بل هم الفقراء إليه ،لأن كل ما يملكونه من وجودهم ومن تفاصيل هذا الوجود ،هو نعمةٌ منه في طبيعته وفي استمراره ،وهو القادر على أن يُذهبهم جميعاً بإرادته كما كان القادر على إيجادهم وتدبير أمورهم بقدرته .