لماذا يجبن الإنسان المؤمن ،ولماذا يخاف ويتراجع عن الاندفاع في معارك الحقّ والباطل ؟هل هو الخوف من الموت ؟ولكنَّ الإيمان بالقضاء والقدر يتلخص في الفكرة القائلة: إنَّ ما أصاب الإنسان في هذه الدُّنيا لم يكن ليخطئه ،وما أخطأه لم يكن ليصيبه ،وإنَّ لكلّ إنسان أجلاً محدوداً لن يعدوه ،فلا يتقدّم ولا يتأخر مهما كانت الظروف والأخطار .إنَّ هذه الفقرة من الآية الأولى تقرّر هذه الحقيقة من أجل أن يستلهمها المؤمنون عندما يدعوهم الواجب إلى خوض الحرب دفاعاً عن الحقّ ...[ وما كان لنفسٍ أن تموت إلاَّ بإذن اللّه] فهو الذي يملك الحياة والموت من حيث إنَّه خالقهما في الإنسان وفي الموجودات الحيّة كلّها من خلال سنته في الموت في أسباب الحياة والموت ،وهذا هو المراد من [ إلاَّ بإذن اللّه] ،[ كتاباً مؤجَّلاً] أي مؤقتاً له إلى أجل معلوم لا يتقدّم ولا يتأخر .
فلكلّ نفس وقتٌ محدَّدٌ خاضع للظروف الكونية المحيطة به التي قدّر اللّه من خلالها حياته وموته عندما خلق اللّه النَّاس ،فلا يموت الإنسان إلاَّ بإذن اللّه الذي يمثِّل التعبير عن القوانين التي تحكم حياة الإنسان ،بعد أن يبلغ الكتاب أجله .وإذا كان الأمر كذلك ،فلماذا الخوف من الموت ؟!
وتنطلق الآية لتحدّد للإنسان مصيره من خلال إرادته واختياره في خطّ المسير: [ ومن يُرِد ثوابَ الدُّنيا] ،ولا يفكّر بما بعدها ،بأن كان ممن أخلد إلى الأرض واتبع هواه [ نؤته منها] فإنَّ اللّه لا يحجب عنه ذلك ،بل يؤتيه منها ...[ ومن يُرِد ثواب الآخرة] فيتحرّك في الحياة بطاعة اللّه طلباً لرضوانه وشكراً لنعمه ،في عملية تجسيد للشكر بالإيمان والعمل الصالح ،بأن كان ممن ارتبط باللّه في عقيدته وعمله [ نؤتِهِ منها] أي كان له ذلك كنتيجة لعمله ،[ وسنجزي الشَّاكرين] وجزاء اللّه عليه جزاء الشَّاكرين ،فلماذا لا يغتنم الإنسان الفرصة فيفكّر باللّه ويعمل لما عنده فيكون قريباً منه ؟!